الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي عَظَّمَ بَعْضَ الشُّهُورِ قَدْراً، وَأَنْعَمَ عَلَى
عِبَادِهِ بِنِعَمٍ فَاقَتِ الْعَدَّ حَصْراً، وَجَعَلَ الْعَمَلَ
الصَّالِحَ حِجَاباً عَنْ جَهَنَّمَ وَسِتْراً، وَأَشَهْدُ أَنْ لاَّ
إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ سِرّاً وَجَهْراً،
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَهَرَتْ كَمَالاَتُهُ الْعُقُولَ بَهْراً،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْفَعُ الْعَالَمِينَ
ذِكْراً، وَأَطْوَعُ الْخَلْقِ لِلَّهِ نَهْياً وَأَمْراً، صَلََّى اللهُ
وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلَهَ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى
اللهِ صَبْراً وَشُكْراً، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ فَجَدُّوا
إِلَى اللهِ سَيْراً.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا
اللهَ رَبَّكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَعَلِّقُوا بِهِ
قُلُوبَكُمْ، وَأَذْعِنُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ وَصَالِحِ الْعَمَلِ،
تَنَالُوا جَزَاءَهُ الأَعْظَمَ وَمَوْعُودَهُ الأَجَلَّ، قَالَ اللهُ
تَعَالَى: ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ([الكهف: 107-108].
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
إِنَّ
الْعَمَلَ الصَّالِحَ عُدَّةُ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَسَبِيلُ كُلِّ مُخْلِصٍ،
وَذَخِيرَةُ كُلِّ وَجِلٍ خَائِفٍ مِنْ رَبِّهِ، وَصَلاَحُ الْعَمَلِ
مَعْنَاهُ: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ خَالِصاً لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ
يَكُونَ مُوَافِقاً لِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ r، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي يَرْضَاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ، وَيَحُثُّ عَلَيْهِ وَيُرَغِّبُ فِيهِ رَسُولُهُ r،
سَوَاءٌ كَانَ نَفْعُ الْعَمَلِ قَاصِراً عَلَى صَاحِبِهِ؛ كَالصَّلاَةِ
وَالْحَجِّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ كَانَ مُتَعَدِّياً لِغَيْرِهِ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ كَالصَّدَقَةِ وَنَشْرِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ فِي
سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ( [الملك:2]، قَالَ الْحِافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَلاَ يَكُونُ الْعَمَلُ حَسَناً حَتَّى يَكُونَ خَالِصاً لِلَّهِ، عَلَى شَرِيعَةِ رَسُولِ اللهِ r، فَمَتَى فَقَدَ الْعَمَلُ وَاحِداً مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ: بَطَلَ وَحَبِطَ».
وَكَثِيراً
مَا يُهَوِّنُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ شَأْنِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ،
فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: الْعِبْرَةُ بِمَا فِي الْقَلْبِ، أَيْ: إِنْ كَانَ
قَلْبِي سَلِيماً صَافِياً فَأَنَا عَلَى خَيْرٍ، وَمَا دُمْتُ مُؤْمِناً
بِقَلِبْي فَهَذَا يَكْفِي، وَنَسِيَ هَذَا الْمِسْكِينُ أَنَّ الْعَمَلَ
الصَّالِحَ دَلِيلُ الإِيمَانِ، وَأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا
ذَكَرَ الإِيمَانَ فِي أَغْلِبِ آيَاتِ الْقُرْآنِ إِلاَّ ذَكَرَ مَعَهُ
الْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الإِيمَانَ
وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ مُتَلاَزِمَانِ مُتَّحِدَانِ لاَ يَنْفَصِلُ
أَحَدُهُمَا عَنِ الآخِرِ، فَاللهُ سُبْحَانَهُ يَقْرِنُ فِي كَثِيرٍ مِنَ
الآيَاتِ بَيْنَهُمَا؛ لِيُبَيِّنَ لَنَا سُبْحَانَهُ أَنَّ الإِيمَانَ
يَقْتَضِي الْعَمَلَ الصَّالِحَ، بَلْ أَكَّدَتِ النُّصُوصُ مِنَ
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الْعَمَلَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الإِيمَانِ،
مِنْ ذَلِكَ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ عَنِ الْفَائِزِينَ مِنْ عِبَادِهِ:) إِنَّ
الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ
بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ
فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ
دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ([يونس :9-10]، كَمَا يَسْتَثْنِي سُبْحَانَهُ أَهْلَ الإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنَ الْوَعِيدِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ) وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ([ العصر:1-3]، فَهَلْ يُتَصَوَّرُ إِيمَانٌ بِدُونِ عَمَلٍ صَالِحٍ؟!.
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:
إِنَّ
ثَوَابَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَبَرَكَتَهُ يَنَالُهُ الإِنْسَانُ فِي
الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ، فَفِي الدُّنْيَا يَكُونُ الْعَمَلُ
الصَّالِحُ سَبَباً مُبَاشِراً فِي الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ؛ يَقُولُ
سُبْحَانَهُ: ) مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ([ النحل:97]، وَهُوَ سَبَبٌ فِي الأَمْنِ وَالتَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ؛ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ) وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ ([ النور:55]، إِلَى
غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الثِّمَارِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ. وَأَمَّا فِي
الآخِرَةِ: فَفَضْلُ اللهِ أَكْبَرُ، وَكَرَمُهُ أَوْسَعُ، يَقُولُ
سُبْحَانَهُ:) وَالَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ
مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ([ النساء:57]،وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ:« قَالَ
اللهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ: مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ،
وَلاَ أُذُنٌ سَمَعِتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: ) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ([ السجدة:17].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ
الْعَمَلَ الصَّالِحَ مِنْ أَفْضَلِ مَا يَتَوَسَّلُ بِهِ الْعَبْدُ إِلَى
مَوْلاَهُ، وَمِنْ أَفْضَلِ مَا يُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ
تَعَالَي،
لاَسِيَّمَا فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَكَشْفِ الْكُرُوبِ، فَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّوَسُّلِ الثَّلاَثَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، وَهِيَ التَّوَسُّلُ بِأَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، وَالتَّوَسُّلُ بِدُعَاءِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوَسُّلُ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَلِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَرَكَةٌ عِظيَمةٌ عَلَى الْعَبْدِ إِنْ هُوَ فَعَلهَا لِوَجْهِ اللهِ؛ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللهِ، وَهَذَا مَا أَخْبَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللهِr فِي حَدِيثِ أَصْحَابِ الْغَارِ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ وَحَبَسَتْهُمْ دَاخِلَ الْغَارِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَذْكُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عْمَلاً صَالِحاً عَمِلَهُ لِوَجْهِ اللهِ؛ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْهُمْ مَا هُمْ فِيهِ، فَفَعَلُوا، فَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُمْ وَخَرَجُوا مِنَ الْغَارِ يَمْشُونَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ؛ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ » فَدَعَا كُلُّ وَاحِدٍ بصالِحِ عَمَلِهِ، فَدَعَا الأَوَّلُ بِبِرِّهِ وَالِدَيْهِ، وَدَعَا الثَّانِي بِصَدَقَتِهِ وَتَعَفُّفِهِ، وَدَعَا آخِرُهُمْ بِأَمَانَتِهِ وَحِفْظِهِ حُقُوقَ النَّاسِ، حَتَّى نَجَّاهُمُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْهَلاَكِ.
لاَسِيَّمَا فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَكَشْفِ الْكُرُوبِ، فَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّوَسُّلِ الثَّلاَثَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، وَهِيَ التَّوَسُّلُ بِأَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، وَالتَّوَسُّلُ بِدُعَاءِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوَسُّلُ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَلِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَرَكَةٌ عِظيَمةٌ عَلَى الْعَبْدِ إِنْ هُوَ فَعَلهَا لِوَجْهِ اللهِ؛ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللهِ، وَهَذَا مَا أَخْبَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللهِr فِي حَدِيثِ أَصْحَابِ الْغَارِ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ وَحَبَسَتْهُمْ دَاخِلَ الْغَارِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَذْكُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عْمَلاً صَالِحاً عَمِلَهُ لِوَجْهِ اللهِ؛ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْهُمْ مَا هُمْ فِيهِ، فَفَعَلُوا، فَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُمْ وَخَرَجُوا مِنَ الْغَارِ يَمْشُونَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ؛ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ » فَدَعَا كُلُّ وَاحِدٍ بصالِحِ عَمَلِهِ، فَدَعَا الأَوَّلُ بِبِرِّهِ وَالِدَيْهِ، وَدَعَا الثَّانِي بِصَدَقَتِهِ وَتَعَفُّفِهِ، وَدَعَا آخِرُهُمْ بِأَمَانَتِهِ وَحِفْظِهِ حُقُوقَ النَّاسِ، حَتَّى نَجَّاهُمُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْهَلاَكِ.
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ:
إِنَّ
الْعَمَلَ الصَّالِحَ بَابٌ كَبِيرٌ، لاَ يَنْحَصِرُ فِي الْفَرَائِضِ
الْخَمْسِ وَنَوَافِلِهَا، كَمَا جَاءَ مُبَيَّناً فِي سُنَّةِ رَسُولِ
اللهِ r؛ حَيْثُ قَالَ: « الإِيمَانُ
بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا
قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ
الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ »[أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، وَعَنْهُ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r:«كُلُّ
سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ
الشَّمْسُ: يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ
عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ
صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ
يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ
صَدَقَةٌ»[مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَمَفَاتِيحِ
الْخَيْرِ، وَمِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ وَأَعْمَقِهَا أَثَراً: أَعْمَالُ
الْقُلُوبِ: مِنْ خَشْيَةٍ وَمُرَاقَبَةٍ وَتَعْظِيمٍ لَهُ سُبْحَانَهُ؛
قَالَ تَعَالَى:) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ([ الحج:32]، كَمَا أَنَّ مِنْ خَيْرِ الْعَمَلِ: تَرْكَ مَعْصِيَةِ اللهِ.
أَلاَ
فَلْتَجْتَهِدُوا- عِبَادَ اللهِ- بِصَالِحِ الْعَمَلِ، وَلْتَسْتَعِدُّوا
للِقَاءِ اللهِ؛ وَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ:) فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ([ الكهف:110].
بَارَكَ
اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ
مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ،
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
رَبِّ
لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَلِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ
سُلْطَانِكَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ
مُحَمَّدٍ أَفْضَلِ رُسُلِكَ وَأَنْبِيَائِكَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الَّذِينَ أَثْنَيْتَ عَلَيْهِمْ فِي مُحْكَمِ كِتَابِكَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَلْتَعْلَمُوا
-عِبَادَ اللهِ- أَنَّ لِلَّهِ أَزْمِنَةً فَضَّلَهَا عَلَى سَائِرِ
الأَزْمَانِ، لَهُ فِيهَا نَفَحَاتٌ يَتَفَضَّلُ فِيهَا عَلَى الْعِبَادِ،
وَيَفْتَحُ أَمَامَهُمْ أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ وَالْعَمَلِ وَالسَّدَادِ،
وَيَبْسُطُ فِي طَرِيقِهِمْ بِسَاطَ الْقَبُولِ وَالرَّشَادِ، فَيَنْبَغِي
لِلْعَبْدِ أَنْ يَسْتَثْمِرَ هَذِهِ الأَوْقَاتَ، وَلاَ يَجْعَلَهَا
تَخْلُو مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ يُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ
الْبَرِيَّاتِ.
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:
هَا
قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمُ الشَّانِ، أَلاَ وَهُوَ شَهْرُ
شَعْبَانَ، فِيهِ تَتَنَزَّلُ الرَّحْمَةُ مِنَ اللهِ، وَقَدْ عَظَّمَهُ
رَسُولُنَا r
بِصَالِحِ الْعَمَلِ، وَاجْتَهَدَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وَلاَ كَلَلٍ،
شَهْرٌ كَرِيمٌ بَيْنَ شَهْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ، يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ،
وَالْغَفْلَةُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ أَشَدُّ وَأَكْثَرُ، فَالنَّاسُ
مُنْشَغِلُونَ بِالإِجَازَةِ الصَّيْفِيَّةِ وَتَرْفِيهِهَا،
وَبِالْحَوَادِثِ السِّيَاسِيَّةِ وَأَخْبَارِهَا، وَبِالْفِتَنِ الَّتِي
تَحُلُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلأْوَائِهَا، لَكِنَّ النَّبِيَّ r لَهُ مَنْهَجٌ آخَرُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ ذَلِكَ، فَمْنَهَجُ رَسُولِنَا r
هُوَ اقْتِنَاصُ الْفُرَصِ وَاسْتِغْلاَلُهَا، لاَ يَفُوتُ عَلَيْهِ
شَهْرٌ كَرِيمٌ، أَوْ عَمَلٌ صَالِحٌ عَظِيمٌ؛ إِلاَّ وَقَدْ ضَرَبَ فِيهِ
بِسَهْمٍ، كَانَ النَّبِيُّ r يَسْتَغِلُّ هَذَا الشَّهْرَ بِصِيَامِهِ؛ حَتَّى إِنَّ الصَّحَابَةَ لَحَظُوهُ، فَاسْتَفْهَمُوا مِنْهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟ قَالَ: « ذَلِكَ
شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ
شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ
أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ]، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: « مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ r اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَاماً فِي شَعْبَانَ».
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ:
إِنَّ
شَهْرَ شَعْبَانَ كَالتَّهْيِئَةِ وَالتَّوْطِئَةِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ،
وَلذَلِكَ شُرِعَ فِيهِ صِيَامُ النَّافِلَةِ، وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ
يُسَمِّي هَذَا الشَّهْرَ شَهْرَ الْقُرَّاءِ؛ لاِنْكِبَابِهِمْ عَلَى
الْقُرْآنِ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ شَهْرَ شَعْبَانَ: شَهْرَ الْغَرْسِ
وَالسَّقْيِ؛ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحَصَادَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ
الأَكْبَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ، فَلْتَجْتَهِدُوا
شَهْرَكُمْ هَذَا، وَلْتُرُوا اللهَ مِنْ أَنُفُسِكُمْ عَزِيمَةً وَقُوَّةً
وَإِقْدَاماً: تَنَالُوا جَنَّةً وَثَنَاءً وَسَلاَماً، قَالَ اللهُ
تَعَالَى: ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ
عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ
لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ( [البينة:7- 8].
اللَّهُمَّ
ارْزُقَنْا عَمَلاً صَالِحاً فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ. اللَّهُمَّ
وَفِّقْنَا فِيهِ لِلصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا فِيهِ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَقَبَّلْهُ مِنَّا
يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَعْبَانَ
وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَعْبَانَ
وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَعْبَانَ
وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ. اللَّهُمَّ حَبِّبْ
إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا
الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.الكويت
0 تعليقات
أهلا وسهلا ومرحبا بك في موقع تغطية مباشر : ضع ردا يعبر عن اناقة أخلاقك ، سنرد على اي استفسار نراه يحتاج الى اجابة ، ادعمنا برأيك وضع تعليقا للتشجيع ..