ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

موضوع وخطبة عن طريقة التحلى بأخلاق الإسلام .؟!

قَالَ اللهُ تَعَالَى: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا( [المائدة:3]. وَقَدْ تَمَّ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى دِينُنَا عَقِيدَةً وَشَرِيعَةً، وَأَخْلاَقاً وَسُلُوكاً، وَشَمَلَ جَوَانِبَ الْحَيَاةِ كُلَّهَا، دِقَّهَا وَجُلَّهَا، وَعَلاَنِيَتَهَا وَسِرَّهَا، حَتَّى أَضْحَى مَنْ يَتَّبِعُ هَذَا الدِّينَ بِفَهْمٍ وَإِخْلاَصٍ: رَمْزاً لِلشُّرَفَاءِ، وَقُدْوَةً لِلنُّبَلاَءِ، وَمَنْهَلاً لِلْخَيْرِ وَالْعَطَاءِ، وَقَنْطَرَةً إِلَى تَحْقِيقِ السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالأُخْرَوِيَّةِ.


وَإِنَّ الأَخْلاَقَ - يَا عِبَادَ اللهِ - هِيَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ فِي الإِسْلاَمِ، وَهِيَ أَجْمَلُ مَا يَتَحَلَّى بِهِ الأَتْقِيَاءُ مِنَ الأَنَامِ، فَهِيَ الأَسَاسُ الْمَتِينُ فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْبَشَرِيَّةِ، وَقُطْبُ الرَّحَى فِي نَشْأَةِ الْحَضَارَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَلاَ غَرْوَ؛ فَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ r أَنَّ الْغَايَةَ مِنْ بِعْثَتِهِ هِيَ إِتْمَامُ الأَخْلاَقِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ].
وَكَانَ مِنْ حِرْصِهِ r عَلَى الأَخْلاَقِ الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو اللهَ تَعَالَى فِي اسْتِفْتَاحِ صَلاَتِهِ أَنْ يَهْدِيَهُ لأَِحْسَنِ الأَخْلاَقِ، وَأَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ سَيِّئَهَا؛ فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t عَنْ رَسُولِ اللهِ r أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا.. إِلَى أَنْ يَقُولَ: وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لاَ يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَلَمَّا سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ خُلُقِهِ r قَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ]، وَشَهِدَ لَهُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ( [القلم:4] وَكَفَى بِالْقُرْآنِ مُعَلِّماً وَمُرَبِّياً، وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
لَقَدْ دَعَا الإِسْلاَمُ إِلَى كُلِّ خُلُقٍ كَرِيمٍ وَزَانَهُ، وَحَذَّرَ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ ذَمِيمٍ وَشَانَهُ، وَرَبَّى أَتْبَاعَهُ عَلَى الأَخْلاَقِ الْحَمِيدَةِ، وَالْخِصَالِ الْمَجِيدَةِ، حَتَّى أَضْحَوْا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ؛ أُمَّةً لِلدِّينِ وَالْقِيَمِ، وَرَمْزاً لِمَحَاسِنِ الأَخْلاَقِ وَالشِّيَمِ، وَقَدْ جَمْعَ اللهُ لِنَبِيِّهِ r وَلأُمَّتِهِ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: )خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ( [الأعراف:199]؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ، قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ، فَقَالَ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ r: )خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، «فَوَ اللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ هَذَا الدِّينَ الْعَظِيمَ الَّذِي هَدَانَا اللهُ لَهُ -وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ- جَعَلَ الأَخْلاَقَ دِيناً؛ فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ زَادَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمَ أَنْ يَتَعَامَلَ مَعَ النَّاسِ بِالْخُلُقِ الْحَسَنِ وَالأَدَبِ الْجَمِّ؛ إِذْ مَا مِنْ صَاحِبِ فِكْرَةٍ أَوْ مِلَّةٍ أَوْ دَعْوَةٍ يُرِيدُ النَّجَاحَ لِدَعْوَتِهِ وَالْقَبُولَ لَهَا فِي قُلُوبِ النَّاسِ؛ إِلاَّ احْتَاجَ إِلَى الأَخْلاَقِ الطَّيِّبَةِ فِي دَعْوَتِهِ، وَالآدَابِ الْكَرِيمَةِ فِي سِيرَتِهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ t قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ]. وَكَفَى بِالْخُلُقِ الْكَرِيمِ فَضْلاً وَرِفْعَةً وَمَنْزِلَةً: أَنَّهُ يُكْمِلُ إِيمَانَ صَاحِبِهِ بَيْنَ الْعَالَمِينَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ].
وَإِنَّ الْخُلُقَ الْحَسَنَ مِنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؛ كَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ t قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ].
وَذَلِكَ أَنَّ تَقْوَى اللهِ تُصْلِحُ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ فَتُوجِبُ لَهُ مَحَبَّتَهُ، وَأَنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ يُصْلِحُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَيَكُونَ دَاعِياً إِلَى مَحَبَّتِهِمْ لَهُ. بَلْ صَاحِبُ الْخُلُقِ الْحَسَنِ فِي أَعْلَى بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ [أَيْ: حَوْلَهَا] لِمَنْ  تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ].
وَهُوَ يَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ مَرْتَبَةَ مَنْ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَأَكْرِمْ بِهَا مِنْ دَرَجَةٍ!! وَأَعْظِمْ بِهَا مِنْ مَرْتَبَةٍ!!؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ]. وَهُوَ أَقْرَبُ النَّاسِ مَجْلِساً مِنَ النَّبِيِّ r يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَنْ جَابِرٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ: أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ].
فَحَرِيٌّ بِكُلِّ إِنْسَانٍ يَبْتَغِي الْمَنْزِلَةَ عِنْدَ اللهِ، وَالذِّكْرَ الْجَمِيلَ عِنْدَ النَّاسِ، وَرَاحَةَ الْقَلْبِ وَسَكِينَةَ النَّفْسِ: أَنْ يَتَحَلَّى بِالأَخْلاَقِ الْحَمِيدَةِ، وَيَتَجَمَّلَ بِالأَفْعَالِ الرَّشِيدَةِ، وَالأَقْوَالِ السَّدِيدَةِ، فَهِيَ عَلاَمَةٌ عَلَى كَمَالِ الإِيمَانِ، وَدَلِيلٌ عَلَى رُسُوخِ الْيَقِينِ فِي الْجَنَانِ، وَسِمَةٌ لِلصِّدْقِ فِي الْمَيْدَانِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ]. وَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:
فَإِذَا رُزِقْتَ خَلِيقَةً مَحْمُودَةً       فَقَدِ اصْطَفَاكَ مُقَسِّمُ الأَرْزَاقِ
فَالنَّاسُ هَذَا حَظُّهُ مَالٌ  وَذَا       عِلْمٌ وَذَاكَ مَكَارِمُ الأَخْـــلاَقِ


إِنَّ الأَخْلاَقَ لَيْسَتْ كَلاَماً يُرَدَّدُ فِي الْخُطَبِ وَالْمُحَاضَرَاتِ، أَوْ فِي الدِّرُوسِ وَالْمْنَاظَرَاتِ، وَلَيْسَتْ نَظَرِيَّاتٍ تُرَى، أَوْ حِكَايَاتٍ تُرْوَى، إِنَّمَا الأَخْلاَقُ - يَا عِبَادَ اللهِ - أَقْوَالٌ صَادِقَةٌ، وَأَفْعَالٌ نَاطِقَةٌ، يُتَرْجِمُهَا الْمَرْءُ سُلُوكاً تَرَاهُ الْعُيُونُ، وَتَلْمِسُهُ الْقُلُوبُ فِي دُنْيَا الْبَشَرِ وَحَيَاةِ النَّاسِ؛ نَابِعاً مِنْ عَقِيدَةِ الْمُؤْمِنِ بِاللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ إِذِ الإِيمَانُ شَجَرَةٌ وَالأَخْلاَقُ ثَمَرَةٌ، وَالإِيمَانُ أَسَاسٌ وَالأَخْلاَقُ بِنَاءٌ، وَكُلَّمَا كَانَ الإِيمَانُ رَاسِخاً كَانَتِ الأَخْلاَقُ نَافِعَةً، وَكُلَّمَا ضَعُفَ الإِيمَانُ فِي الْقُلُوبِ: سَاءَتِ الأَخْلاَقُ فِي الْجَوَارِحِ وَالنُّفُوسِ.
لَقَدْ تَرْجَمَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمُ - الأَقْوَالَ إِلَى أَفْعَالٍ وَسُلُوكٍ؛ فَفَتَحُوا الْقُلُوبَ بِأَخْلاَقِهِمْ وَالْحُصُونَ بِآدَابِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَفْتَحُوهَا بِسُيُوفِهِمْ، وَهَلْ دَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ الشُّعُوبِ فِي الإِسْلاَمِ إِلاَّ بِفَضْلِ اللهِ ثُمَّ بِأَخْلاَقِ الْمُسْلِمِينَ فِي تِجَارَتِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ وَحُسْنِ مُعَامَلَتِهِمْ؟! وَالْكَعْبُ الأَعْلَى وَالْقِدْحُ الْمُعَلَّى فِي ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا وَأُسْوَتِنَا r؛ عَنْ أَنَسٍ t قَالَ: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ r عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ؟، وَلاَ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ؟» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ].
فَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَتَزَيَّنَ الْمُسْلِمُ بِأَخْلاَقِ الإِسْلاَمِ!! فَيَكُونَ طَائِعاً لِرَبِّهِ، مُقْتَدِياً بِنَبِيِّهِ، مُحْسِناً الأَدَبَ مَعَ خَلْقِهِ، فَيَتَعَامَلَ مَعَ وَالِدَيْهِ بِالْبِرِّ وَالإِحْسَانِ، وَمَعَ أَوْلاَدِهِ بِالْحُنُوِّ وَالرَّحْمَةِ وَحُسْنِ التَّرْبِيَةِ عَلَى الإِيمَانِ، وَمَعَ أَهْلِهِ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالْفَضْلِ وَالْعِرْفَانِ، وَمَعَ إِخْوَانِهِ بِالرِّفْقِ وَالْحُبِّ وَالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ!! وَمَا أَعْظَمَ أَنْ يَتَعَامَلَ الرَّئِيسُ مَعَ مَرْؤُوسِهِ، وَالأُسْتَاذُ مَعَ تِلْمِيذِهِ، وَالْقَائِدُ مَعَ جُنْدِهِ، وَالْمَسْؤُولُ مَعَ مُوَظَّفِيهِ؛ وَالْعَامِلُ فِي مَصْنَعِهِ، وَالْفَلاَّحُ فِي حَقْلِهِ، وَالسَّائِقُ فِي طَرِيقِهِ، وَالْمُرَبِّي فِي حَضَانَتِهِ، مَا أَعْظَمَ أَنْ يَتَعَامَلُوا بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ وَالأَدَبِ الْكَرِيمِ!! وَكَيْفَ لاَ تَصْفُو الْحَيَاةُ، وَيَهْنَأُ الْعَيْشُ، وَتَرْقَى الأُمَمُ، وَتَسُودُ الْقِيَمُ: حِينَ يَعْطِفُ الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَيُوَقِّرُ الصَّغِيرُ الْكَبِيرَ، وَيَعْطِفُ الْغَنِيُّ عَلَى الْفَقِيرِ، وَالْقَادِرُ عَلَى الْعَاجِرِ، وَيَشْكُرُ الْفَقِيرُ الْغَنِيَّ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَيُعَبِّرُ الْعَاجِزُ لِلْقَادِرِ عَنْ شُكْرِهِ وَامْتِنَانِهِ؟! كَيْفَ لاَ تَصْفُو الْحَيَاةُ إِذَا عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا وَاجِبَهُ تُجَاهَ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَإِخْوَانِهِ وَمُجْتَمَعِهِ فَأَدَّاهُ؟ وَغَضَّ طَرْفَهُ عَنِ الْخَطَأِ وَالزَّلَّةِ وَسُوءِ الظَّنِّ فَتَخَطَّاهُ؟! أَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ الأَخْلاَقَ الَّتِي يَنْشُدُهَا الإِسْلاَمُ، وَيُمَارِسُهَا مِنَ النَّاسِ الْكِرَامُ؟! أَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ r: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ»؟ [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الْعِلْمَ وَحْدَهُ لاَ يَنْفَعُ مُجَرَّداً عَنِ الأَخْلاَقِ، كَمَا أَنَّ الْعَمَلَ بَلاَ أَخْلاَقٍ تَرْفِدُهُ وَتُجَمِّلُهُ نَاقِصُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَلاَ مَعْنَى لِلْمَدَنِيَّةِ بِغَيْرِ أَخْلاَقٍ تُرَبِّيهَا وَتُنَمِّيهَا لِتَبْلُغَ بِهَا مَبْلَغَ الْحَضَارَةِ الرَّاقِيَةِ وَالذَّوْقِ الرَّفِيعِ، وَلاَ قِيمَةَ لإِسْلاَمِ الْمُسْلِمِ فِي عُيُونِ الآخَرِينَ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَّجاً بِأَخْلاَقِ الإِسْلاَمِ؛ صَدُوقاً أَمِيناً، بَرّاً كَرِيماً، عَفُوّاً حَلِيماً، شَكُوراً رَفِيقاً، عَفِيفاً شَفِيقاً، لاَ يُقَابِلُ السَّيِّئَةَ بِمِثْلِهَا؛ بَلْ يُقَابِلُ السَّيِّئَةَ بِالْحَسَنَةِ، فَهُوَ لاَ يَرْضَى أَنْ يَعِيشَ عَلَى هَامِشِ الْحَيَاةِ، وَلاَ أَنْ يُحْجِمَ عَنْ خَوْضِ غِمَارِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ رِسَالَةٍ خَالِدَةٍ، يَسْعَى لِتَرْسِيخِهَا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ فِي أَرْضِ الْوَاقِعِ وَدُنْيَا النَّاسِ؛ لِيُقِيمَ دِينَ اللهِ فِي الأَرْضِ، وَيَفُوزَ بِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، )وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ( [فصلت:33-35].
أَلاَ فَمَرِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الأَخْلاَقِ الْعَظِيمَةِ، وَوَطِّنُوهَا عَلَى السَّجَايَا الْكَرِيمَةِ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ r: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ» [أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطِيبُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]

إرسال تعليق

0 تعليقات