ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

خطبة الجمعة مكتوبة الكويت وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 11 من ذي الحجة 1436هـ الموافق 25 / 9 / 2015م
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، وَأَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَرَضِيَ لَنَا الإِسْلَامَ دِيناً، لَهُ الْحَمْدُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ كَمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى عَلَى آلائِهِ وَنِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ
خطبة الجمعة مكتوبة الكويت وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا

أَنَّ نَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، فَجَزَاهُ اللهُ خَيْرَ مَا جَازَى نَبِيّاً عَنْ أُمَّتِهِ، وَوَفَّقَنَا وَإِيَّاكُمْ لِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَحَشَرَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي زُمْرَتِهِ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَنَهَجَ نَهْجَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، )وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ([البقرة:282].
أَمَّا بَعْدُ:    
فَيَا عِبَادَ اللهِ:
يَسْتَعِدُّ الأَبْنَاءُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ لِاسْتِقْبَالِ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ، يَقْضُونَهُ بَيْنَ أَرْوِقَةِ الْمَدَارِسِ وَالْمَعَاهِدِ وَالْجَامِعَاتِ، لِيَنْهَلُوا مِنْ مَنَاهِلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، عَلَى حَسَبِ مُسْتَوَيَاتِهِمْ وَاتِّجَاهَاتِهِمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا: أَنْ هَدَانَا لِنِعْمَةِ طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَعَلُّمِهِ؛ فَهُوَ أَيْسَرُ طَرِيقٍ  لِلْوُصُولِ لِلْجَنَّةِ، وَمِمَّا يُدَلِّلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، بَلْ شَجَّعَ الإِسْلَامُ عَلَى التَّعْلِيمِ، فَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ يَدْعُونَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِمُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ t قَالَ: قَالَ الرَّسُولُ r: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِى جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّـمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
لِتَلْهَجْ أَلْسِنَتُنَا بِشُكْرِ نِعْمَةِ الْعِلْمِ وَالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ( [إبراهيم:7]، فَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ rبِالِاسْتِزَادَةِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مِنَ الْعِلْمِ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا([طه:114]، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا لِلْعِلْمِ مِنْ أَثَرٍ إِيجَابِيٍّ فِي حَيَاةِ الْبَشَرِ.
الْعِلْمُ يَجْلُو الْعَمَى عَنْ قَلْبِ صَاحِبِـهِ      كَمَا يُجَلِّي سَوَادَ  الظُّلْمَةِ الْقَمَـــــرُ
وَالْعِلْـمُ يُحْيِي قُـلُوبَ الْحَامِلِينَ  لَـــهُ      كَالأَرْضِ تَحْيَا إِذَا مَا مَسَّهَا الْمَطَرُ
فَالْعِلْمُ شَرَفٌ لَا قَدْرَ لَهُ، وَلَا يَجْهَلُ قَدْرَ الْعِلْمِ وَفَضْلَهُ إِلَّا الْجَاهِلُونَ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ -رَحِمَهُ اللهُ-  لِبَنِيهِ: «يَا بَنِيَّ! تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ؛ فَإِنْ كُنْتُمْ سَادَةً فُقْتُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ وَسَطاً سُدْتُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ سُوقَةً عِشْتُمْ»، فَطَلَبُ الْعِلْمِ خَيْرُ مَا بُذِلَتْ فِيهِ الأَعْمَارُ، وَأُنْفِقَتْ فِيهِ السَّاعَاتُ، فَالنَّاسُ إِمَّا عَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ، أَوْ هَمَجٌ رِعَاعٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ]، وَلْنَعْلَمْ أَيْضاً: مِنَ الْوَسَائِلِ الْمُشَجِّعَةِ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ: أَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ النَّافِعِ مِنَ الصَّدَقَةِ الْجَارِيَةِ لِلإِنْسَانِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، لِقَوْلِهِ r: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
اعْلَمُوا يَا رَعَاكُمُ اللهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى رَفَعَ شَأْنَ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، وَبَيَّنَ مَكَانَتَهُمْ، وَرَفَعَ مَنْزِلَتَهُمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( [المجادلة:11].
وَلَقَدْ رَفَعَ رَسُولُ اللهِ r مِنْ شَأْنِ وَقَدْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَعَلَهُمْ وَرَثَةَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ t]، وَلَقَدْ مَنَعَ اللهُ سُبْحَانَهُ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ؛ لِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَالِمُ مِنْ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَنُورِ الْمَعْرِفَةِ، )قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ([الزمر:9]، وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ وَالدَّرَجَةِ الْعَالِيَةِ الْمُنِيفَةِ: فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ: أَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ قَدْرَهُمْ، وَيَعْرِفَ لَهُمْ مَكَانَتَهُمْ، وَيُنْزِلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ؛ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ].
كَمَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمُ الْقَادَةُ لِسَفِينَةِ النَّجَاةِ، وَالرُّوَّادُ لِسَاحِلِ الأَمَانِ، وَالْهُدَاةُ فِي دَيَاجِيرِ الظَّلَامِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ([السجدة:24]، وَعِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ، وَاشْتِدَادِ الْمُدْلَهِمَّاتِ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى الْعُلَمَاءِ فَلاَ يَكْتُمُونَ النَّاسَ حَدِيثاً، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ( [النحل:43] وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ( [النساء:83].
فَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى أَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِي عُلَمَائِنَا، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِحُسْنِ الِاسْتِفَادَةِ مِنْهُمْ وَسُلُوكِ طَرِيقِهِمْ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا جَمِيعاً سَوَاءَ السَّبِيلِ.
أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَظِيمِ الإِحْسَانِ، وَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالِامْتِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ )وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ( [البقرة:281].
أَيُّهَا الطُّلَّابُ، أَيَّتُهَا الطَّالِبَاتُ:
اجْتَهِدُوا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَلَا تَتَثَاقَلُوا عَنِ التَّحْصِيلِ الدِّرَاسِيِّ، وَاسْتَشْعِرُوا لَذَّةَ عِبَادَةِ طَلَبِ الْعِلْمِ، وَلْيَكُنْ لَكُمْ بِالصَّالِحِينَ خَيْرُ قُدْوَةٍ وَأُسْوَةٍ، فَمِنْ صُوَرِ عُلُوِّ الْهِمَّةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الَّتِي نُوصِي أَبْنَاءَنَا أَنْ يَقْتَدُوا بِهَا: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ عَنْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ، ذَهَبَ إِلَيْهِ حَتَّى فِي الْقَيْلُولَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فِي وَسَطِ النَّهَارِ، فَإِذَا طَرَقَ بَابَهُ وَقِيلَ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَفَ أَوْ جَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ فِي حَرِّ الشَّمْسِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ لِلصَّلَاةِ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ وَرَآهُ فِي الْبَابِ أَنْكَرَ ذَلِكَ، قَالَ: كَيْفَ ذَلِكَ وَأَنْتَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ r تَجْلِسُ فِي الشَّمْسِ؟! فَيَقُولُ: إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكَ، فَيَقُولُ: هَلَّا أَخْبَرْتَنِي فَآتِيَكَ؟ فَيَقُولُ: لَا. الْعِلْمُ يُؤْتَى وَلَا يَأْتِي. أَجَلْ: إِنَّ الْعِلْمَ لَيَسْتَحِقُّ أَنْ يُؤْتَى لَهُ، وَأَنْ يُخْلِصَ الطَّالِبُ النِّيَّةَ فِي دِرَاسَتِهِ، وَأَنْ يَسْتَشْعِرَ عِظَمَ الأَجْرِ فِي طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ، وَأَنْ يَتَحَمَّلَ الْمَشَاقَّ، وَيَصْبِرَ عَلَى جَفَاءِ مُعَلِّمِهِ، وَأَنْ يَحْتَرِمَ مُعَلِّمَهُ، وَيَعْرِفَ شَرَفَ مَكَانَتِهِ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ؛ لِيُحَقِّقَ الْمَرَاتِبَ الْعُلْيَا، فَيَحْظَى بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي الدَّارَيْنِ، وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّاعِرِ إِذْ يَقُولُ:
فَمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً     تَجَرَّعَ ذُلَّ الْجَهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ
وَمَنْ فَاتَهُ التَّعْلِيمُ حَالَ شَبَابِـهِ     فَكَــبِّـرْ عَلَيْـهِ أَرْبَعـــاً  لِوَفَاتِـهِ
وَمِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ الْمُشْرِقَةِ فِي الْحِرْصِ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ: مَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ t قَالَ: بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r، فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا، حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ الشَّامَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ: قُلْ لَهُ: جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ. فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَخَرَجَ يَطَأُ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْتُهُ فَقُلْتُ: حَدِيثًا بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِصَاصِ فَخَشِيتُ أَنْ تَمُوتَ أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ [رَوَاهُ أَحْمَدُ].
فَاتَّقُوا اللهَ -يَا مَعْشَرَ الطُّلَّابِ وَالطَّالِبَاتِ- تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَلَا تَرْضَوْا بِالْقَلِيلِ، وَاطْلُبُوا مَعَالِيَ الأُمُورِ، وَتَخَلُّقُوا بِالأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ وَالسُّلُوكِيَّاتِ الْفَاضِلَةِ، وَاحْتَرِمُوا مُعَلِّمِيكُمْ وَاقْدُرُوا لَهُمْ قَدْرَهُمْ، وَاجْتَنِبُوا سَفَاسِفَ الأُمُورِ وَرَذَائِلَ الأَخْلَاقِ، وَإِضَاعَةَ الْحِصَصِ بِالْقِيلِ وَالْقَالِ، وَاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ؛ فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ عِبَادَةٌ وَخَشْيَةٌ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: )إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَنَا الْعِلْمَ النَّافِعَ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، اللَّهُمَّ وَفِّقِ الطُّلَّابَ وَالطَّالِبَاتِ، وَالْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ، لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَارْزُقْهُمُ الصَّبْرَ عَلَى مَرَارَةِ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ، وَسَدِّدْ خُطَاهُمْ، اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ r وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَاجْمَعْ قُلُوبَهُمْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْقُرْآنِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِخَيْرِ الإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاجْعَلْهُمْ مَفَاتِيحَ خَيْرٍ مُبَارَكِينَ. اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ أَمْناً وَأَمَاناً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام

إرسال تعليق

0 تعليقات