ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

خطبة الجمعة عن فَيْرُوسُ (كُورُونَا) وَقْفَةُ عِظَةٍ وَاعْتِبَارٍ

فَيْرُوسُ (كُورُونَا) وَقْفَةُ عِظَةٍ وَاعْتِبَارٍ
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.  )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ([آل عمران: 102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:    
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ r، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ- مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ - وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوبَكُمْ؛ فَإِنَّ الْخَلْقَ مَهْمَا كَانَتْ كَثْرَتُهُمْ وَقُوَّتُهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً، وَإِنَّمَا النَّفْعُ وَالضُّرُّ بِيَدِ مَنْ قَالَ: )وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ( [الأنعام:17- 18].
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ:
حَدِيثٌ شَغَلَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ, وَشَاغِلُ مَجَالِسِهِمْ, وَلأَهَمِّيَّتِهِ وَخَطَرِهِ تَحَدَّثَ أَهْلُ الاِخْتِصَاصِ عَنْهُ فِي وَسَائِلِ الإِعْلاَمِ, وَقَدْ أَطْلَقُوا عَلَيْهِ مُسَمَّى (كُورُونَا), وَاسْمُهُ الْعِلْمِيُّ (مُتَلاَزِمَةُ الْجِهَازِ التَّنَفُّسِيِّ الشَّرْقِ الأَوْسَطِيِّ), يَنْتَشِرُ هَذَا الْفَيْرُوسُ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ دَوْلَةً حَوْلَ الْعَالَمِ, وَلَمْ يُعْرَفْ حَتَّى هَذِهِ اللَّحَظَاتِ مَصْدَرُ هَذِهِ السُّلاَلَةِ الْفَيْرُوسِيَّةِ, لَكِنْ لاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ نَقِفَ مَعَهُ وَقَفَاتٍ مُهِمَّةً:
الْوَقْفَةُ الأُولَى: أَنَّ الطَّوَاعِينَ وَالأَمْرَاضَ وَالأَوْبِئَةَ لَيْسَتْ مِنَ الأُمُورِ الْجَدِيدَةِ, وَإِنَّمَا عَرَفَهَا النَّاسُ مِنْذُ الْقِدَمِ, قَالَ ابْنُ خَلْدُونٍ رَحِمَهُ اللهُ: «وَأَمَّا كَثْرَةُ الْمُوتَانِ فَلَهَا أَسْبَابٌ مِنْ كَثْرَةِ الْمَجَاعَاتِ أَوْ كَثْرَةِ الْفِتَنِ فَيَكْثُرُ الْهَرْجُ وَالْقَتْلُ، أَوْ وُقُوعُ الْوَبَاءِ، وَسَبَبُهُ فِي الْغَالِبِ فَسَادُ الْهَوَاءِ بِكَثْرَةِ الْعُمْرَانِ؛ لِكَثْرَةِ مَا يُخَالِطُهُ مِنَ الْعَفَنِ وَالرُّطُوبَاتِ الْفَاسِدَةِ»، وَقَدْ عَدَّ النَّبِيُّ r ذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ, وَعَلاَمَاتِ قُرْبِ قِيَامِهَا, فَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ r فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: « اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: «الْمُوتَانُ: هُوَ الْمَوْتُ الْكَثِيرُ الْوُقُوعِ، وَشَبَّهَهُ بِقُعَاصِ الْغَنَمِ، وَهُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْغَنَمَ لاَ يَلْبَثُهَا إِلَى أَنْ تَمُوتَ، وَقِيلَ: هُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ فِي الصَّدْرِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الأَوْبِئَةِ تُؤَثِّرُ فِي الرِّئَةِ، وَتَحْبِسُ النَّفَسَ، حَتَّى يَمُوتَ الْمَوْبُوءُ».
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:
وَالثَّانِي مِنَ الْوَقَفَاتِ: أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا مُعْتَصِمًا بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُتَوَكِّلاً عَلَيْهِ، مُعْتَقِدًا أَنَّ الأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِهِ، لاَ تَخْرُجُ عَنْ تَقْدِيرِهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْقَائِلُ جَلَّ جَلاَلُهُ: )مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ( [التغابن:11]، قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ س لاِبْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ؛ حَتَّى تَعْلَمَ: أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ فَقَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ]، فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُفَوِّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللهِ، رَاجِيًا طَامِعًا مُعْتَمِدًا مُتَوَكِّلاً، لاَ يَرْجُو عَافِيَتَهُ وَشِفَاءَهُ وَسَلاَمَتَهُ إِلاَّ مِنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَلاَ يَزِيدُهُ حُلُولُ الْمُصَابِ إِلاَّ الْتِجَاءً إِلَيْهِ وَاعْتِصَاماً بِهِ، )وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( [آل عمران:101].
الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ: إِنَّ الْوَبَاءَ قَدْ يَكُونَ عُقُوبَةً جَرَّاءَ انْتِشَارِ الْمَعَاصِي وَفُشُوِّهَا, كَمَا أَخْبَرَ الْحَبِيبُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ r: «لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا: إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونَ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «مَا ظَهَرَ الْبَغْيُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلاَّ ظَهَرَ فِيهِمُ الْمُوتَانُ»، وَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: )وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ( [الشورى:30]، فَتَكُونُ عُقُوبَةً لِيَرْتَدِعَ الْبَاغِي عَنْ بَغْيِهِ, وَيُفِيقَ الْغَاوِي مِنْ غَيِّهِ, وَيَنَالَ الْعَاصِي جَزَاءَ عِصْيَانِهِ، وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الأَمْرَاضُ وَالأَسْقَامُ ابْتِلاَءً مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِيَزِيدَ فِي دَرَجَاتِهِمْ وَيُمَحِّصَهُمْ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ( [البقرة:155-157]، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
وَرَابِعُ هَذِهِ الْوَقَفَاتِ أَنَّ لِهَذَا الْمَرَضِ عَلاَجاً بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى, جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ r أنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ مَعَهُ دَوَاءً، جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، وَعَلِمَهُ مِنْ عَلِمَهُ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ t]، فَقَدْ يَكُونُ الْبَشَرُ لَمْ يَتَوَصَّلُوا بَعْدُ لِمُرَكَّبٍ صَيْدَلاَنِيٍّ لِعِلاَجِ هَذَا الْمَرَضِ, لَكِنْ يُوصِي الأَطِبَّاءُ مَنْ أُصِيبَ بِهَذَا الْمَرَضِ بِالرَّاحَةِ التَّامَّةِ, وَالإِكْثَارِ مِنْ تَنَاوُلِ الْمُضَادَّاتِ الطَّبِيعِيَّةِ كَالْبُرْتُقَالِ وَاللَّيْمُونِ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِهَا, وَعَدَمِ مُخَالَطَةِ الأَشْخَاصِ الأَصِحَّاءِ قَدْرَ الإِمْكَانِ، وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ r كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t «لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»، فَالشَّرِيعَةُ الإِسْلاَمِيَّةُ أَمَرَتْ بِبَذْلِ الأَسْبَابِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى التَّدَاوِي، وَأَنَّ التَّدَاوِيَ وَالاِسْتِشْفَاءَ لاَ يَتَنَافَى مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَلْنَعْلَمْ أَنَّ التَّدَاوِيَ يَتَنَاوَلُ نَوْعَيِ الطِّبِّ:
فَالنَّوْعُ الأَوَّلُ: الطِّبُّ الْوِقَائِيُّ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَ نُزُولِ الْمَرَضِ، فَيَحْرِصُ الإِنْسَانُ عَلَى الْبُعْدِ عَنِ مَوَاطِنِ الزِّحَامِ الَّتِي يَخْشَى أَنْ يُوجَدَ فِيهَا مَنْ أُصِيبَ بِهَذَا الْمَرَضِ, وَيَحْرِصُ أَنْ لاَ يَسْتَخْدِمَ أَدَوَاتِ الْمُصَابِينَ بِهِ كَأَدَوَاتِ الطَّعَامِ أَوِ الْوَسَائِدِ وَالأَغْطِيَةِ وَنَحْوِهَا, كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى غَسْلِ يَدَيْهِ بِالْمَاءِ وَالصَّابُونِ أَوِ الْمُطَهِّرَاتِ عِنْدَ مُلاَمَسَتِهِ لِمَا يَخْشَى أَنْ يَكُونَ قَدْ لاَمَسَهُ الْمُصَابُونَ بِهِ، كَمَا يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يُطَبِّقَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ t كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِمَّا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حِينَ يُصْبِحُ لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِيَ»، وَقَدْ ذَكَرَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَوَفَّرْ تَمْرُ الْعَجْوَةِ؛ فَإِنَّ غَيْرَهُ مِنْ أَنْوَاعِ التُّمُورِ يَقُومُ مَقَامَهُ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي الطِّبُّ الْعِلاَجِيُّ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ نُزُولِهِ؛ مِمَّا يَخْتَصُّ بِتَشْخِيصِهِ ذَوُو الاِخْتِصَاصِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ، وَبِكِلاَ النَّوْعَيْنِ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ، كَمَا جَاءَ فِيهَا أُصُولُ الْعِلاَجِ وَالشِّفَاءِ وَالتَّدَاوِي؛ مِمَّا يُحَقِّقُ لِلْمُسْلِمِ سَلاَمَةً وَعَافِيَةً فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ، فَسَلاَمَةُ الدِّينِ وَصِحَّةُ الْبَدَنِ وَحُصُولُ الأَمْنِ بِشَتَّى صُوَرِهِ نِعَمٌ عُظْمَى، وَلاَ يُعْرَفُ قَدْرُهَا إِلاَّ حِينَ فَقْدِهَا؛ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
إِنِّي وَإِنْ كَانَ جَمْعُ  الْمَالِ  يُعْجِبُنِي       فَلَيْسَ يَعْدِلُ عِنْدِي صِحَّةَ الْجَسَدِ
فِي الْمَالِ زَيْنٌ وَفِي الأَوْلاَدِ مَكْرُمَةٌ       وَالسُّقْمُ يُنْسِيكَ ذِكْرَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ, وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ, قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَفْوَةِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَخَامِسُ هَذِهِ الْوَقَفَاتِ: أَنْ يَعْتَقِدَ الْمَرْءُ أَنَّ أَفْضَلَ سُبُلِ الْوِقَايَةِ مِنْ هَذَا الْفَيْرُوسِ إِضَافَةً إِلَى الأَسْبَابِ الْمَادِّيَّةِ: التَّحَصُّنُ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى, فَيَحْرِصُ الإِنْسَانُ عَلَى أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ, فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ: «أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]، وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ]، وَإِذَا كَانَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: )وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا( [البقرة:255] فَكَيْفَ بِحِفْظِ عَبْدٍ ضَعِيفٍ مِثْلِكَ؟!.
أيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ:
وَآخِرُ هَذِهِ الْوقَفَاتِ: فِي الْحَذَرِ مِنَ التَّسَرُّعِ فِي نَشْرِ الأَخْبَارِ, وَإِشَاعَةِ الإِشَاعَاتِ, وَنَقْلِ الرَّسَائِلِ الَّتِي تَصِلُكَ دُونَ التَّثَبُّتِ مِنْهَا, فَكَثِيرٌ مِنْ تِلْكَ الرَّسَائِلِ وَالأَخْبَارِ كَذِبٌ مَحْضٌ لاَ أَصْلَ لَهُ, وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ تَبُثُّ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ, وَتُصِيبُ الْمُجْتَمَعَ بِالإِرْجَافِ، وَالْعَاقِلُ اللَّبِيبُ لاَ يَتَكَلَّمُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ إِذَا تَثَبَّتَ مِنْ صِحَّتِهِ؛ فَإِذَا ثَبَتَ لَدَيْهِ ذَلِكَ نَظَرَ فِي جَدْوَى نَشْرِهِ؛ فَإِنْ كَانَ فِي نَشْرِهِ حَفْزٌ لِلْخَيْرِ نَشَرَهُ، وَإِنْ كَانَ خِلاَفَ ذَلِكَ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَطَوَاهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا( [النساء:83]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ » [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ: «لاَ يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ».
وَذُو التَّثَبُّتِ مِنْ حَمْدٍ إِلَى ظَفَرٍ     مَنْ يَرْكَبِ الرِّفْقَ لاَ يَسْتَحْقِبِ الزَّلَلاَ

إرسال تعليق

0 تعليقات