ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

خطبة الجمعة مكتوبة عن آفَةُ الآفَاتِ : الْمُخَدِّرَاتُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ، وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ، الْقَائِلِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ )يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ([المائدة:4]، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، وَالنِّعْمَةِ الْمُسْدَاةِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، الَّذِي مَا مِنْ خَيْرٍ إِِلاَّ دَعَا أُمَّتَهُ إِلَيْهِ، وَمَا مِنْ شَرٍّ إِلاَّ حَذَّرَهَا مِنْهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ؛ )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ([الأحزاب:70-71].
أَيُّهَا الْمُسْلمِونَ:
 نَشَرَتْ بَعْضُ الصُّحُفِ الْخَلِيجِيَّةِ حَادِثَةً لِرَجُلٍ كَبِيرٍ، قَارَبَ الْخَمْسِينَ سَنَةً، أَدْمَنَ الْمُخَدِّرَاتِ وَفُصِلَ مِنْ عَمَلِهِ بِسَبَبِ الإِدْمَانِ، تَحَطَّمَتْ حَيَاتُهُ، وَمَرِضَتْ نَفْسُهُ، وَوَقَعَ الطَّلاَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، مَعَ وُجُودِ سَبْعَةٍ مِنْ الأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ.. وَفِي لْحَظَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ، يَدْخُلُ الرَّجُلُ عَلَى مُطَلَّقَتِهِ وَبَنَاتِهِ، وَهُوَ فِي حَالَةِ هَيَجَانٍ، فَيَقْتُلُ الزَّوْجَةَ بِالْمُسَدَّسِ، ثُمَّ يُلْحِقُ بِهَا بَنَاتِهِ الثَّلاَثَ، الْوَاحِدَةَ تِلْوَ الأُخْرَى، الأُولَى فِي الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهَا، وَالثَّانَيِةُ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ، وَالثَّالِثَةُ فِي الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ، وَتُصَابُ الرَّابِعَةُ ذَاتُ الأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ بِشَظَايَا مِنَ الْعِيَارِ النَّارِيِّ فِي صَدْرِهَا لِتَرْقُدَ فِي الْعِنَايَةِ الْمُرَكَّزَةِ.
وَقَعَتِ الْفَاجِعَةُ، وَصُدِمَ الْجِيرَانُ بِمَا وَقَعَ لِلأُسْرَةِ الْمَنْكُوبَةِ، لاَسِيَّمَا وَقَدْ شَهِدُوا بِصَلاَحِ هَذِهِ الأُسْرَةِ وَحُسْنِ أَخْلاَقِ أَبْنَائِهَا وَبنَاتِهَا، وَفِي الْمَدْرَسَةِ الثَّانَوِيَّةِ الَّتِي تَدْرُسُ فِيهَا إِحْدَى الْقَتِيلاَتِ، كَانَ الْحَالُ مَأْسَاوِيّاً. تَقُولُ إِحْدَى الطَّالِبَاتِ: نَزَلْنَا مِنَ الْقَاعَاتِ وَنَحْنُ أَسْعَدُ مَا نَكُونُ بِانْتِهَاءِ الاِمْتِحَانَاتِ، فَإِذَا بِالْمُعَلِّمَةِ تُفَاجِئُنَا وَتَقُولُ: اطْلُبُوا لِزَمِيلَتِكُمُ الرَّحْمَةَ يَا بَنَاتُ، أَخُوهَا اتَّصَلَ وَيَقُولُ لَكُمْ حَلِّلُوهَا.. تَحَوَّلَتِ الْمَدْرَسَةُ إِلَى سَاحَةٍ لِلْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ عَلَى هَذِهِ الْفَتَاةِ الْمِسْكِينَةِ، وَلَيْتَهَا وَاحِدَةٌ، بَلْ ثَلاَثٌ وَأُمُّهُنَّ، وَعَلَى يَدِ مَنْ؟ عَلَى يَدِ وَالِدِهِنَّ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
اللَّهُمَّ اجْبُرْ مُصَابَ هَذِهِ الأُسْرَةِ، وَاغْفِرْ لِلْفَقِيدَاتِ، وَأَسْكِنْهُنَّ غُرُفَاتِ الْجَنَّاتِ، وَأَبْدِلْهُنَّ عَنْ شَبَابِهِنَّ نَعِيماً وَسُرُوراً فِي جِوَارِكَ يَارَبَّ الْعَالَمِينَ.
عِبَادَ اللهِ:
 كَفَى بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ وَاعِظَةً لِلنُّفُوسِ، وَكَفَى بِهَذِهِ الْفَاجِعَةِ شَاهِدَةً عَلَى شَنَاعَةِ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ، وَأَنَّهَا تَقْتُلُ كُلَّ الْمَعَانِي الْجَمِيلَةِ فِي حَيَاتِنَا.
نَعَمْ، إِنَّ النُّصُوصَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ تَضَافَرَتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ اسْتِعْمَالاً وَبَيْعاً وَشِرَاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إِلْحَاقِ الْمُخَدِّرَاتِ بِالْخَمْرِ فِي التَّحْرِيمِ؛ قَالَ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ([ المائدة:90]، وَقَالَ أَنَسٌ t: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ r فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].
وَإِذَا كَانَ الْعَاقِلُ يُدْرِكُ تَمَاماً أَضْرَارَ هَذِهِ الآفَةِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ نُذَكِّرَ بِبَعْضِهَا، فَمِنْهَا: الأَضْرَارُ الدِّينِيَّةُ: فَهِيَ تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعِبَادَتِهِ، وَتُضْعِفُ الإِيمَانَ، وَتَقْضِي عَلَى الْحَيَاءِ مِنَ اللهِ، وَصَاحِبُهَا مَلْعُونٌ مَطْرُودٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ. هَذَا فِي الدُّنْيَا، أَمَّا فِي الآخِرَةِ فَإِنَّ مُتَعَاطِيَهَا مُتَوَعَّدٌ بِالْعُقُوبَاتِ الشَّدِيدَةِ؛ فَعَنْ جَابِرٍ- t-  أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْداً لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ»[رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَمِنْهَا:الأَضْرَارُ الصِّحِّيَّةُ الْخَطِيرَةُ عَلَى أَجْهِزَةِ الْجِسْمِ الْمُخْتَلِفَةِ: كَالْجِهَازِ الْعَصَبِيِّ، وَالدَّوْرِيِّ، وَالْهَضْمِيِّ، وَالتَّنَاسُلِيِّ، وَالْجِلْدِ، وَالْعِظَامِ، وَالأَسْنَانِ، وَغَيْرِهَا.وَمِنْهَا الأَضْرَارُ الاِجْتِمَاعِيَّةُ: مِنِ انْهِيَارِ الأُسْرَةِ، وَانْحِرَافِ أَفْرَادِهَا، وَكَثْرَةِ حَالاَتِ الطَّلاَقِ، وَوُقُوعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَانْطِفَاءِ نَارِ الْغَيْرَةِ عَلَى الْعِرْضِ فِي قَلْبِ الْمُدْمِنِ: بَلْ إِنَّهُ قَدْ يَلْجَأُ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ إِلَى الْمُتَاجَرَةِ بِعِرْضِهِ لِلْحُصُولِ عَلَى الْمُخَدِّرِ.وَمِنْهَا الأَضْرَارُ الأَمْنِيَّةُ: مِنْ وُقُوعِ الْجَرَائِمِ وَ انْتِشَارِهَا، وَوُقُوعِ الْحَوَادِثِ الْمُرُورِيَّةِ.وَمِنْهَا الأَضْرَارُ الاِقْتِصَادِيَّةُ: سَوَاءٌ عَلَى دَخْلِ الْمُتَعَاطِي وَحَالَةِ أُسْرَتِهِ الْمَادِّيَّةِ، أَوْ عَلَى اقْتِصَادِ الدُّوَلِ فِي مُكَافَحَةِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَمُسْتَشْفَيَاتِ الإِدْمَانِ، وَالسُّجُونِ، وَالتَّهَاوُنِ فِي الْعَمَلِ، وَقِلَّةِ الإِنْتَاجِ، وَالتَّهَرُّبِ مِنَ الْمَسْؤُولِيَّةِ وَالاِلْتِزَامِ، وَكَثْرَةِ الْغِيَابِ وَالتَّأَخُّرِ عَنِ الْعَمَلِ.
عِبَادَ اللهِ:
 فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ أَضْرَارَ الْمُخَدِّرَاتِ فَإِنَّنَا نَتَسَاءَلُ: كَيْفَ يَجْرُؤُ الْعَاقِلُ أَنْ يَتَعَاطَى هَذِهِ السُّمُومَ؟!
مَا أَسْبَابُ هَذَا الْبَلاَءِ، وَعِلَلُ اسْتِفْحَالِ هَذَا الدَّاءِ؟ قَدْ يَكُونُ الْبَعْضُ قَدْ أَخَذَ بِهَذِهِ الأَسْبَابِ أَوْ بَعْضِهَا تَهَاوُنًا فِي نَفْسِهِ أَوْ مَعَ أَبْنَائِهِ، وَمَا عَلِمَ أَنَّ النِّهَايَةَ الْجَحِيمُ الدُّنْيَوِيُّ وَالأُخْرَوِيُّ.
أَلاَ وَإِنَّ أَعْظَمَ أَسْبَابِ انْتِشَارِ وَبَاءِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ بِلاَ مُنَازِعٍ، وَأَكْبَرَهَا بَابًا فِي دُخُولِ الْوَاقِعِينَ فِيهَا: أَصْدِقَاءُ السُّوءِ. أَجَلْ، فَإِنَّ عَشَرَاتِ التَّائِبِينَ وَالنَّادِمِينَ يُصَدِّرُونَ قِصَصَهُمْ: وَتَعَرَّفْتُ عَلَى قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَأَغْرَانِي أَصْدِقَاءُ السُّوءِ، وَقَالَ لِي أَصْدِقَاءُ السُّوءِ: جَرِّبْ... وَهَلُمَّ جَرّاً.
وَالسَّبَبُ الثَّانِي: -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- إِهْمَالُ الْوَالِدَيْنِ وَسُوءُ التَّرْبِيَّةِ، وَمَنْ أَرَادَ الدَّلِيلَ عَلَى إِهْمَالِ بَعْضِ الآبَاءِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى الشَّبَابِ وَهُمْ فِي الشَّوَارِعِ وَعَلَى الأَرْصِفَةِ إِلَى سَاعَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، بَلْ ـ وَاللهِ ـ لَقَدْ رَأَيْتُ أَطْفَالاً دُونَ الثَّامِنَةِ وَهُمْ فِي الشَّوَارِعِ يَذْهَبُونَ وَيَجِيئُونَ إِلَى السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْلاً، لاَ حَسِيبَ وَلاَ رَقِيبَ، يَتَعَلَّمُ هَذَا الصَّغِيرُ وَالْمُرَاهِقُ التَّدْخِينَ حُبًّا لِلتَّقْلِيدِ والاِسْتِطْلاَعِ، ثُمَّ سِيْجَارَةَ الْحَشِيشِ، وَهَكَذَا تَبْدَأُ الْبِدَايَةُ بَلْ قُلِ: النِّهَايَةُ، فَأَيْنَ الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ؟! أَيْنَ الْحُبُّ وَالْحَنَانُ؟!إِنَّ الدَّلاَلَ وَالتَّرَفَ الزَّائِدَ وَتَلْبِيَةَ كُلِّ مَا يُرِيْدُهُ الأَبْنَاءُ: طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْبَلاَءِ، كَمَا أَنَّ الْضَّرْبَ وَالْقَسْوَةَ الزَّائِدَةَ وَالْحَطَّ دَائِمًا مِنْ قَدْرِ الأَبْنَاءِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ هَذَا البَلاَءِ، إِذاً مَا الْحَلُّ؟ الْحلُّ أَنْ لاَ تُكُونَ يَابِسًا فَتُكْسَرَ، وَلاَ لَيِّنًا فَتُعْصَرَ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ وَالتَّوَسُّطُ وَالاِتِّزَانُ وَالاِعْتِدَالُ.
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ :
وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ انْتِشَارِ وَبَاءِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ : وَسَائِلُ الإِعْلاَمِ لاَ سِيَّمَا الْغَرْبِيَّةُ مِنْهَا، وَيَكُونُ أَثَرُهَا بِنَشْرِ الْمُسْتَوى الْفِكْرِيِّ وَالأَخْلاَقِيِّ الْهَابِطِ، وَذَلِكَ بِإِبْعَادِ الشَّبَابِ عَنِ الدِّيْنِ وَبِالإِثَارَةِ الْجِنْسِيَّةِ، وَجَعْلِ مَنْ يُسَمَّوْنَ بِالْفَنَّانِينَ نُجُومًا وَكَوَاكِبَ يُقْتَدَى بِهِمْ؛ لِيُقَلِّدَهُمُ الشَّبَابُ، وَبَعْضُهُمْ مُصَابُونَ بِدَاءِ شُرْبِ الْخُمُورِ وَإِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ. وَالْسَّبَبُ الرَّابِعُ: السَّفَرُ إِلَى الْخَارِجِ؛ إِذْ أَثْبَتَتِ الدِّرَاسَاتُ أَنَّ نِسْبَةً كَثِيْرَةً مِنَ الشَّبَابِ بَدَؤُوا تَعَاطِيَ الْمُخَدِّرَاتِ أَوَّلَ مَرَّةٍ خَارِجَ الْبِلاَدِ بِاسْمِ السِّيَاحَةِ الْمَوْهُومَةِ، وَهِيَ دَرْبُ التِّيهِ وَالضَّيَاعِ، حَيْثُ الْحَانَاتُ وَالْخُمُورُ وَالْمَرَاقِصُ وَالْفُجُورُ.أَلاَ فَلْنَتَّقِ اللهَ تَعَالَى فِي أَنْفُسِنَا وَأَهْلِينَا، وَلْنُرَاقِبْهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى؛ فَإِنَّ أَجْسَادَنَا عَلَى النَّارِ لاَ تَقْوَى.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ-أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- وَرَاقِبُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلاَ تَعْصُوهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ([آل عمران:102].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
 إِذاً لاَبُدَّ مِنَ التَّحَرُّكِ الْجَادِّ لِعَلاَجِ هَذِهِ الآفَةِ، وَأَنَّ الْعِلاَجَ هُوَ عَكْسُ الأَسْبَابِ، وَأَهَمُّ عِلاَجٍ وَأَعْظَمُهُ: تَقْوِيَةُ الإِيمَانِ، وَمُرَاقَبَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، يَقُولُ الْمُؤَرِّخُ الْعَالَمِيُّ تُوِينِي فِي كِتَابِهِ: [مُحَاكَمَةِ الْحَضَارَةِ]:«إِنَّ الرُّوحَ الإِسْلاَمِيَّةَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُحَرِّرَ الإِنْسَانَ مِنْ رَبْقَةِ الْكُحُولِ (الْخَمْرِ) عَنْ طَرِيقِ الاِعْتِقَادِ الدِّينِيِّ الْعَمِيقِ، وَالَّتِي اسْتَطَاعَتْ بِوَاسِطَتِهَا أَنْ تُحَقِّقَ مَا لَمْ يُمْكِنْ لِلْبَشَرِيَّةِ أَنْ تُحَقِّقَ فِي تَارِيخِهَا الطَّوِيلِ». أَجَلْ، إِنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَحُضُورَ حَلَقَاتِ الذِّكْرِ، وَتَنْشِئَةَ الأَبْنَاءِ عَلَى الأَخْلاَقِ الْحَمِيدَةِ أَعْظَمُ سِيَاجٍ يَقِي مِنَ الشُّرُورِ، كَذَلِكَ الْحِرْصُ عَلَى الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ سَوَاءً لِلْكِبَارِ أَوْ لِلصِّغَارِ، وَكَذَلِكَ مُتَابَعَةُ الأَبْنَاءِ وَمَعْرِفَةُ أَصْدِقَائِهِمْ، وَعَدَمُ السَّمَاحِ لَهُمْ بِالسَّهَرِ، وَخَاصَّةً السَّهَرَ لأَوْقَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَتَجْنِيبُ الأَبْنَاءِ الْمَشَاكِلَ الأُسَرِيَّةَ، وَأَنْ نَتَوَاصَلَ مَعَ الْجِهَاتِ الْحُكُومِيَّةِ وَالشَّعْبِيَّةِ لِمُعَالَجَةِ الْمُصَابِينَ بِهَذَا الدَّاءِ، لإِعَانَتِهِمْ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ هَذَا السُّمِّ الْقَاتِلِ.
دَمْعِـي أَمَامَ جِدَارِ اللَّيْلِ يَنْسَكِبُ      وَجَمْرَةٌ فِي حَنَايَا الْقَلْبِ تَلْتَهِبُ
وَصُـورَةٌ لِضَيـَاعِ الْعُمْرِ قَـاتِمَةٌ      تَسْعَـى إِليَّ وَمِنْ عَيْنَيَّ تَقْتَرِبُ
وَوَحْشَةٌ فِي فَؤَادِي أَسْتَرِيـحُ لَهَا     كَأَنَّنِي بَيْنَ أَهْــلِ الدَّارِ مُغْتَرِبُ
وَأَخِيراً، أَقُولُ لِكُلِّ مَنِ ابْتُلِيَ بِهَذَا الدَّاءِ، بَادِرْ بِالنَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ، وَالاِسْتِغْفَارِ وَالأَوْبَةِ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ، هَلْ تَنْتَظِرُ-يَا أَخِي الْمُدْمِنَ-أَنْ يَنْزِلَ بِكَ مَلَكُ الْمَوْتُ وَأَنْتَ سَكْرَانٌ؟! أَوْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَبِيَدِكَ سِيجَارَةُُ الْحَشِيشِ فَتَلْقَى اللهَ بِهَا؟! هَلْ تَنْتَظِرُ وَأَنْتَ تَبِيعُ عَقْلَكَ أَنْ تَنْسَلِخَ مِنْ إِيمَانِكَ؟! أَوْ تَقْتُلَ نَفْسَكَ أَوْ أَحْبَابَكَ؟!. إِنَّهَا خُطُوَاتٌ أَوَّلُهَا حَبَّةٌ أَوْ شَرْبَةٌ أَوْ سِيجَارَةٌ، وَآخِرُهَا مَآسٍ وَفَوَاجِعُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو –رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَسَكِرَ: لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ: لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ: لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ].
أَيُّهَا الآبَاءُ، أَيَّتُهَا الأُمَّهَاتُ:
أَلاَ فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعاً، وَلْنُحَافِظْ عَلَى مَنِ اسْتَرْعَانَا اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، الَّذِينَ هُمُ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ بَعْدَ مَمَاتِنَا، بَعْدَ انْتِقَالِنَا لِلرَّفِيقِ الأَعْلَى، وَلْيُقَدِّمْ كُلٌّ مِنَّا طَاقَتَهُ وَجُهْدَهُ أَمَامَ هَذَا الْخَطَرِ الْعَظِيمِ، الَّذِي يُهَدِّدُ بُيُوتَنَا وَأُسَرَنَا، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، وَالنِّعْمَةِ الْمُسْدَاةِ؛ نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا وَقُدْوَتِنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ فَقَدْ أَمَرِكُمُ اللهُ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:)إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( [الأحزاب:56].

إرسال تعليق

0 تعليقات