ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

خطبة جمعة شَحْذُ الْهِمَمِ لاِعْتِلاَءِ الْقِمَمِ مكتوبة

الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الأَعْلَى، خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، فَتَحَ أَبْوَابَ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ وَدَلَّ عَلَى كُلِّ هُدًى، وَحَذَّرَ مِنْ سُبُلِ الرَّدَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ذُو الأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلاَ، لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، وَهُوَ الْعَالِمُ سُبْحَانَهُ بِالسِّرِّ وَأَخْفَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَكْرِمْ بِهِ رَسُولاً! وَأَعْظِمْ بِهِ عَبْداً، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ ذَوِي الْبِرِّ وَالْوَفَا، الْمُتَجَافِينَ عَنِ اللَّغْوِ وَالْهَوَى، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَاهْتَدَى.
أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِعُرْوَتِهِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا انْفِصَامٌ، وَاجْتَنِبُوا الْخَطَايَا وَالآثَامَ؛ فَلَقَدْ كَثُرْتَ أَسْبَابُهَا، وَتَسَاهَلَ الْخَلْقُ فِي اجْتِنَابِهَا، وَقَلَّ السَّالِمُ مِنْهَا، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:  )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( [الحشر:18].
عِبَادَ اللهِ:
كَمْ يُحْزِنُنَا كَثِيراً، وَيُؤْلِمُنَا إِيلاَماً شَدِيداً، أَنْ يُرَى كَثِيرٌ مِنْ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ يَعْكُفُونَ أَمَامَ شَاشَاتِ التِّلْفَازِ، فِي الْمَجَالِسِ وَالْمَقَاهِي وَالْبُيُوتَاتِ: يُتَابِعُونَ بِشَغَفٍ وَلَهْفَةٍ أَحْدَاثَ مَا يُسَمَّى بِكَأْسِ الْعَالَمِ لِكُرَةِ الْقَدَمِ، فِي تَبَعِيَّةٍ مَقِيتَةٍ لأَِرَاذِلِ الأُمَمِ، حَتَّى لَكَأَنَّنَا أُمَةٌ لَيْسَ لَهَا تَارِيخٌ مُشْرِقٌ، أَوْ حَضَارَةٌ شَامِخَةٌ!!، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ  tعَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ»،  قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَبِالْفِعْلِ لَقَدْ نَجَحَ الْيَهُودُ فِي شَغْلِ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ - إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللهُ - بِسَفَاسِفِ الأُمُورِ، وَصَدِّهِمْ عَنْ مَعَالِيهَا، كَمَا جَاءَ فِي نَصِّ مَا يُسَمَّى بِبْرُوتُوكُولاَتِ حُكَمَاءِ صِهْيَوْنَ: «وَلِكَيْ تَبْقَى الْجَمَاهِيرُ فِي ضَلاَلٍ، لاَ تَدْرِي مَا وَرَاءَهَا وَمَا أَمَامَهَا، وَلاَ مَا يُرَادُ بِهَا؛ فَإِنَّنَا سَنَعْمَلُ عَلَى زِيَادَةِ صَرْفِ أَذْهَانِهِمْ، بِإِنْشَاءِ وَسَائِلِ الْمَبَاهِجِ وَالْمُسَلِّيَاتِ وَالأَلْعَابِ الْفَكِهَةِ، وَضُرُوبِ أَشْكَالِ الرِّيَاضَةِ وَاللَّهْوِ، وَمَا بِهِ الْغِذَاءُ لِمَلَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا، ثُمَّ نَجْعَلُ الصُّحُفَ تَدْعُو إِلَى مُبَارَيَاتٍ فَنِّيَّةٍ وَرِيَاضِيَّةٍ».
لَقَدْ كَثُرَتْ مَسَاعِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَذْنَابِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمَأْجُورِينَ، لِعَزْلِ الأُمَّةِ عَنْ تَارِيخِهَا الْعَاطِرِ، حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلِمُ مَقْطُوعَ الْصِّلَةِ عَنْ تَارِيخِ أُمَّتِهِ، فَيَتَخَبَّطَ الشَّابُّ الْمُسْلِمُ فِي ظُلُمَاتِ الثَّقَافَةِ الْغَرْبِيَّةِ، الَّتِي رَوَّجَتْ لَهَا وَسَائِلُ الإِعْلاَمِ الآثِمَةُ، حَتَّى خَرَجَتْ أَجْيَالٌ لاَ تَحْمِلُ هَمَّ الدِّينِ، وَلاَ تَكْتَرِثُ لِحَالِهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا( [البقرة:217].
شَبَابَ الإِسْلاَمِ:
تَعَالَوْا مَعِي لِنُفَتِّشَ فِي تَارِيخِ الأُمَّةِ الْمَجِيدِ، وَلْنَرَ بِعَيْنِ الْبَصِيرِةِ وَالاِعْتِبَارِ بَعْضَ مَا سَطَّرَهُ أُولَئِكَ الْشَّبَابُ الأَخْيَارُ، مِنْ مَوَاقِفَ حَقَّةٍ، تُنْبِئُ عَنْ عُلُوٍّ فِي الْهِمَمِ، وَتَرَفُّعٍ عَنِ الدَّنَايَا، فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَوَّلَ مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ فِي الإِسْلاَمِ؟ اسْمَعْ رَعَاكَ اللهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «عَنْ عُرْوَةَ t قَالَ: أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَنُفِخَتْ نَفْخَةٌ مِنَ الشَيْطَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r أُخِذَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ غُلاَمٌ ابْنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً بِيَدِهِ السَّيْفُ، فَمَنْ رَآهُ عَجِبَ وَقَالَ: الْغُلاَمُ مَعَهُ السَّيْفُ! حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ: مَا لَكَ يَا زُبَيْرُ؟، فَأَخْبَرَهُ وَقَالَ: أَتَيْتُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي مَنْ أَخَذَكَ، فَدَعَا لَهُ وَلِسَيْفِهِ».
يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ t وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ طُمُوحِ الشَّبَابِ، فِي قَهْرِ أَعْدَاءِ اللهِ وَحُبِّ النَّصْرِ وَالاِسْتِشْهَادِ، يَقُولُ t وَهُوَ فِي قَلْبِ مَعْرَكَةِ بَدْرٍ: «بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ يَا عَمِّ: هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ r، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقَالَ لِي: مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ أَلاَ إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالاَ: لاَ، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلاَكُمَا قَتَلَهُ»، وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَفِي الْحِرْصِ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَبَذْلِ الأَوْقَاتِ مِنْ أَجْلِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ r قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ r فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ، فَقَالَ: وَاعَجَباً لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ!: أَتَرَى النَّاسَ يَفْتَقِرُونَ إِلَيْكَ وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ r مَنْ فِيهِمْ؟! قَالَ: فَتَرَكْتُ ذَاكَ، وَأَقْبَلْتُ أَسْأَلُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ r، وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِي بَابَهُ وَهُوَ قَائِلٌ [أَيْ: نَائِمٌ الْقَيْلُولَةَ]، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ، يَسْفِي الرِّيحُ عَلَيَّ مِنَ التُّرَابِ، فَيَخْرُجُ فَيَرَانِي فَيَقُولُ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ r مَا جَاءَ بِكَ؟ هَلاَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فآتِيَكَ؟ فَأَقُولُ: لاَ، أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ، فَأَسْأَلُهُ عَنِ الْحَدِيثِ، فَعَاشَ هَذَا الرَّجُلُ الأَنْصَارِيُّ حَتَّى رَأَى النَّاسَ حَوْلِي يَسْأَلُونَنِي، فَيَقُولُ: هَذَا الْفَتَى كَانَ أَعْقَلَ مِنِّي» [أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ].
وَأَمَّا فِي رَجَاحَةِ عُقُولِهِمْ، وَنَزَاهَةِ أَفْكَارِهِمْ، فَلْتَسْمَعُوا لِهَذَا الْمَوْقِفِ، ذَكَرَ الآجُرِّيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رَحِمَهُ اللهُ- لَمَّا دَفَنَ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ خَطَبَ النَّاسَ وَنَزَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَتَبَوَّأُ مَقِيلاً، فَأَتَاهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَكَ أَنْ تَعِيشَ إِلَى الظُّهْرِ؟ قَالَ: ادْنُ مِنِّي أَيْ بُنَيَّ، فَدَنَا مِنْهُ وَالْتَزَمَهُ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَخْرَجَ مِنْ صُلْبِي مَنْ يُعِينُنِي عَلَى دِينِي».
وَجَمَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْضَ عُلَمَاءِ الشَّامِ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنِّي جَمَعْتَكُمْ لأَمْرٍ قَدْ أَهَمَّنِي، هَذِهِ الْمَظَالِمُ الَّتِي فِي أَيْدِي أَهْلِ بَيْتِي، مَا تَرَوْنَ فِيهَا؟» - يَعْنِي بِذَلِكَ عَطَايَا لأَهْلِ بَيْتِهِ قَدْ أُعْطِيَتْ لَهُمْ مِنْ أَبْنَاءِ عَمِّهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ - فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: مَا نَرَى وِزْرَهَا إِلاَّ عَلَى مَنْ غَصَبَهَا، فَقَالَ عُمَرُ لابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ: «مَا تَرَى أَيْ بُنَيَّ؟» فَقَالَ: «مَا أَرَى مَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا فَلَمْ يَرُدَّهَا وَالَّذِي اغْتَصَبَهَا إِلاَّ سَوَاءً»، فَقَالَ عُمَرُ: «صَدَقْتَ أَيْ بُنَيَّ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، عَبْدَ الْمَلِكِ ابْنِي».
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
لَقَدْ مَاتَ هَذَا الشَّابُّ الْعَابِدُ وَعُمْرُهُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، مَاتَ شَابّاً فِي زَهْرَةِ شَبَابِهِ، يَقُولُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «لَقَدْ كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ مُجْتَهِداً فِي الْعِبَادَةِ، وَمَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الدُّنْيَا وَتَمَكُّنِهِ مِنْهَا: رَاغِباً عَنْهَا مُؤْثِراً لِلزَّهَادَةِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي سَمَاعِ أَخْبَارِهِ لأَحَدٍ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ أُسْوَةً، لَعَلَّ أَحَداً كَرِيماً مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا تَأْخُذُهُ بِذَلِكَ حَمِيَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَنَخْوَةٌ، وَأَيْضاً فَفِي ذِكْرِ مِثْلِ أَخْبَارِ هَذَا السَّيِّدِ الْجَلِيلِ مَعَ سِنِّهِ؛ تَوْبِيخٌ لِمَنْ جَاوَزَ سِنَّهُ وَهُوَ بَطَّالٌ، وَلِمَنْ كَانَ بَعِيداً عَنْ أَسْبَابِ الدُّنْيَا وَهُوَ إِلَيْهَا مَيَّالٌ».
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ أَكْرَمَ هَذِهِ الأُمَّةَ بِصِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَشَرَّفَهَا بِنَبِيٍّ كَرِيمٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَمِيمِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْمَوْعُودِينَ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْذَرُوا مَسَالِكَ الْهَالِكِينَ، وَاذْكُرُوا مَوْقِفَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ( [البقرة:281].
عِبَادَ اللهِ:
وَإِذَا كَانَ الْكَثِيرُ مِنَ الشَّبَابِ، قَدْ وَقَعَ فِي شِرَاكِ الْغَفْلَةِ وَالاِرْتِيَابِ، فَإِنَّ ثُلَّةً لاَ تَزَالُ تَسْتَمْسِكُ بِدِينِهَا الْحَقِّ، ثَابِتَةً عَلَى هُدَى اللهِ، لَمْ تَغْلِبْهُمْ شَهْوَةٌ، أَوْ تَسْتَحْوِذْ عَلَيْهِمْ شُبْهَةٌ، مَاضِينَ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللهِ، لاَ يُبَالُونَ بِمَنْ خَالَفَهُمْ أَوْ خَذَلَهُمْ، كَمِ اسْتَعْصَوْا عَلَى الشَّيْطَانِ أَنْ يُضِلَّهُمْ! فَلِلَّهِ دَرُّهُمْ مِنْ شَبَابٍ أَخْلَصُوا لِرَبِّهِمْ، وَصَدَقُوا لِدِينِهِمْ! )أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ( [المائدة:54].
وَقَفُـوا عَلَى هَامِ الزَّمَانِ رِجَـــالاَ       يَتَوَثَّبُونَ تَطَلُّعـاً وَنِضَالاَ
وَحْيُ السَّمَاءِ يَجِيشُ فِي أَعْمَاقِهِمْ       وَنِدَاؤُهُ مِنْ فَوْقِهِمْ  يَتَعَالَى
بَاعُوا النُّفُوسَ لِرَبِّهِمْ  وَاسْتَمْسَكُوا      بِكِتَابِهِ وَاسْتَقْبَلُوا الأَهْـوَالاَ
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ رَدَّهُمْ إِلَيْكَ رَدّاً جَمِيلاً. اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَعَالِي الأُمُورِ، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ سَفَاسِفَهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرِ اللَّهُمَّ بِقُوَّتِكَ أَعْدَاءَ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ، يَا قَوِيُّ يَا مَتِينُ. اللَّهُمَّ انْصُرْ عِبَادَكَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ، وَاكْبِتْ أَعْدَاءَهُمْ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحَ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاَةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقُومُوا إِلَى صَلاَتِكُمْ رَحِمَكُمُ اللهُ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام

الكويت
بتاريخ 27 من ذي الحجة 1434الموافق 1 / 11 / 2013م

إرسال تعليق

0 تعليقات