ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

خطبة جمعة : تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ مكتوبة

خطبة جمعة قصيرة عن الحج المبرور . خطبة جمعة : تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ مكتوبة  إِنَّ الْحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[ [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[ [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ r، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
لَقَدْ فَرَضَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فُرُوضاً وَأَوْجَبَ وَاجِبَاتٍ، يُؤَدَّى بِهَا حَقُّ اللهِ تَعَالَى، وَيَنْتَفِعُ بِثَمَرَاتِهَا الْمُجْتَمَعُ، وَيَغْنَمُ الْقَائِمُ بِهَا مَنَافِعَ فِي الدُّنْيَا، وَدَرَجَاتٍ وَمَنَازِلَ فِي الآخِرَةِ، وَبَعْضُ تِلْكَ الْفُرُوضِ يُؤَدَّى كُلَّ يَوْمٍ؛ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَمِنْهَا مَا يُؤَدَّى فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ كَصَلاَةِ الْجُمُعَةِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ كَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً كَالْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ لِمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً.
وَلاَ يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْعِبَادَاتِ مِنْ فَوَائِدَ وَثَمَرَاتٍ – زِيَادَةً عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ للهِ تَعَالَى- فَهِيَ تُعَبِّرُ عَنْ وَحْدَةِ مَشَاعِرِ الْمُسْلِمِينَ وَوَحْدَةِ شَعَائِرِهِمْ، وَهِيَ تُغَذِّي مَعَانِيَ الأُخُوَّةِ الإِيمَانِيَّةِ وَالرَّابِطَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ، حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كُلَّ يَوْمٍ، وَفِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ كُلَّ أُسْبُوعٍ، وَفِي الْحَجِّ يَنْعَقِدُ الْمُؤْتَمَرُ السَّنَوِيُّ الَّذِي يَجْمَعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَتَّى بِقَاعِ الْعَالَمِ بِمُخْتَلِفِ ثَقَافَاتِهِمْ وَمُسْتَوَيَاتِهِمْ، فَتَقْوَى اللُّحْمَةُ الإِيمَانِيَّةُ، وَتُتَبَادَلُ الْخِبْرَاتُ وَالأَفْكَارُ الْعِلْمِيَّةُ، وَتَتَرَسَّخُ الْمَشَاعِرُ الأَخَوِيَّةُ.
عِبَادَ اللهِ:
وَمِنْ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: فَرِيضَةُ الْحَجِّ إِلَى بَيْتِهِ الْعَتِيقِ، الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ، وَمِنَ الاِسْتِطَاعَةِ تَوَفُّرُ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: )وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ من استطاع إِلَيه سبيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( [آل عمران:97]، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ r فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ:كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ». قَالَ: فَقَامَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ t، فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةٌ، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ].
وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْقَادِرِ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ]. وَعَنْهُ أَيْضاً قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ - يَعْنِي الْفَرِيضَةَ - فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ].
وَكَيْفَ لاَ يَتَعَجَّلُ الْمُسْلِمُ إِلَى الْحَجِّ؟! وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ، وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى أَمْرِ اللهِ، وَالْخَوْفُ مِنْ مَبَاغَتَةِ الْمَوْتِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَالْحَجُّ -يَا عِبَادَ اللهِ- مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ: «جِهَادُ الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ، وَالضَّعِيفِ، وَالْمَرْأَةِ: الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ]، وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلاَ نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: «لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ: الْحَجُّ؛ حَجٌّ مَبْرُورٌ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلاَ أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ:
إِنَّ الْحَجَّ مَعَ إِخْلاَصِ النِّيَّةِ وَحُسْنِ الاِتِّبَاعِ يُكَفِّرُ مَا قَبْلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ t: لَمَّا جَعَلَ اللهُ الإِسْلاَمَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ r، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
بَلْ يَرْجِعُ الْحَاجُّ مِنْ حَجِّهِ بِلاَ ذَنْبٍ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَزِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ مُتَابَعَةَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تُزِيلُ الْفَقْرَ وَتَمْحُو الذُّنُوبَ، وَذَلِكَ أَنَّ الإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى الْقُوَّةِ الشَّهَوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَحْتَاجٌ إِلَى مَا يُزِيلُهَا، وَالْحَجُّ جَمَعَ أَسْبَاباً لإِزَالَتِهَا: مِنْ إِنْفَاقِ الْمَالِ، وَالْجُوعِ وَالظَّمَأِ، وَتَجَشُّمِ الْمَتَاعِبِ وَاقْتِحَامِ الْمَصَاعِبِ، وَمُفَارَقَةِ الأَوْطَانِ وَالْبُعْدِ عَنِ الأَهْلِ وَالْخِلاَّنِ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ].
وَيَكْفِي مَنْ قَصَدَ بَيْتَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرِيدُ الْحَجَّ فَحَجَّ حَجّاً مَبْرُوراً لَمْ يُخَالِطْهُ ذَنْبٌ وَلاَ مَعْصِيَةٌ؛ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ ثَوَابَهُ الْجَنَّةَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
رَزَقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِحَطِّ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ غَفَّارُ الْخَطَايَا وَالآثَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَكْرَمُ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ لِلأَنَامِ؛ بِالرَّحْمَةِ وَالْحِكْمَةِ وَفَصْلِ الْكَلاَمِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الْبَرَرَةِ الْكِرَامِ، وَأَصْحَابِهِ الْجَحَاجِيحِ الْعِظَامِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً مَا تَعَاقَبَ الضِّيَاءُ وَالظَّلاَمُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَابْتَغُوا جَنَّتَهُ وَرِضَاهُ، وَاحْذَرُوا عَذَابَهُ وَاجْتَنِبُوا أَسَبَابَهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ مَنَافِعَ الْحَجِّ لاَ تَكَادُ تَنْقَضِي، وَعَوَائِدَهُ عَلَى أَهْلِهِ لاَ تَنْتَهِي، فَهِيَ قِيَامٌ بِوَاجِبِ الْعُبُودِيَّةِ للهِ، وَمَغَانِمُ فِي الدُّنْيَا، وَثَوَابٌ وَجَنَّةٌ فِي الآخِرَةِ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ( [الحج: 27-29].
وَمِنْ شَرَفِ الْحَجِيجِ: أَنَّهُمْ وَفْدُ اللهِ الْقَادِمُونَ عَلَيْهِ امْتِثَالاً لأَمْرِهِ، وَاسْتِقَامَةً عَلَى دِينِهِ، دَعَاهُمْ إِلَى الْحَجِّ وَالاِعْتِمَارِ فَأَجَابُوهُ، وَسَأَلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ فَأَعْطَاهُمْ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ دَعْوَةَ الْحَاجِّ حَجّاً مَبْرُوراً مُسْتَجَابَةٌ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ قَالَ: «الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا].
كَمَا أَنَّ الْحَاجَّ يَخْرُجُ فِي حِفْظِ اللهِ وَكَلاَءَتِهِ، حَتَّى يَلْقَى أَجْرَهُ أَوْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «ثَلاَثَةٌ فِي ضَمَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: رَجُلٌ خَرَجَ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ خَرَجَ حَاجًّا» [رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ بَعْضَ مَزَايَا الْحَجِّ وَمَنَافِعَهُ، وَفَضَائِلَهُ وَعَوَائِدَهُ؛ كَانَ حَرِيّاً بِمَنْ أَرَادَهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ بِهَذِهِ الرِّحْلَةِ الرِّحْلةَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَيُخْلِصَ النِّيَّةَ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ حَجَّ النَّبِيُّ r عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ، وَقَطِيفَةٍ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ لاَ تُسَاوِي، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لاَ رِيَاءَ فِيهَا، وَلاَ سُمْعَةَ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ t]. وَيُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ سَفَرِهِ التَّوْبَةَ الصَّادِقَةَ، وَيَرُدَّ الْمَظَالِمَ إِلَى أَهْلِهَا، وَالْحُقُوقَ إِلَى أَصْحَابِهَا، وَيَتَعَلَّمَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِيَعْبُدَ اللهَ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَلِكَيْلاَ يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ أَوْ مُفْسِدٍ لِنُسُكِهِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ.
كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَخْتَارَ صُحْبَةً صَالِحَةً نَاصِحَةً تُعِينُهُ عَلَى أَدَاءِ مَنَاسِكِهِ، وَعَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْقَبَائِحِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَعَلْيِهِ أَنْ يَتَزَوَّدَ لِحَجِّهِ بِمَالٍ حَلاَلٍ طَيِّبٍ؛ لأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً. وَيَجْمُلُ بِالْحَاجِّ أَنْ يَكُونَ هَيِّناً لَيِّناً مَعَ إِخْوَانِهِ، حَسَنَ الْخُلُقِ، لاَ فَظًّا وَلاَ غَلِيظاً؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بِرِّ الْحَجِّ، كَمَا رَوَى جَابِرٌ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سُئِلَ مَا بِرُّ الْحَجِّ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلاَمِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
خَلِيلَيَّ، قُطَّاعُ الْفَيَافِي إِلَى الْحِمَى        كَثِيرٌ وَأَمَّا الْوَاصِلُونَ قَلِيلُ
فَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَصْبَرُهُمْ عَلَى أَذَى النَّاسِ، وَخَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ r, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ – شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ» [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَقَبْلَ الْخِتَامِ أَوَدُّ الإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُكَرِّرُ الْحَجَّ مِرَاراً وَهُوَ أَمْرٌ حَسَنٌ، وَرُبَّمَا يَكُونُ أَحْسَنَ مِنْهُ إِذَا حَجَّجَ غَيْرَهُ بِثَمَنِ حَجِّهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مُسْلِمِينَ مُحْتَاجِينَ فِي الْكَوَارِثِ وَالْحُرُوبِ، فَيُحْيِي بِثَمَنِهِ أَنْفُساً مِنَ الْهَلاَكِ أَوْ مِنْ آفَاتٍ عِظَامٍ. وَبَعْضُهُمْ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ مَسْؤُولِ الْعَمَلِ، أَوْ يَخْرُجُ وَهُوَ مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ أَهْلِهِ وَأُسْرَتِهِ، أَوْ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ حُقُوقٌ وَوَاجِبَاتٌ، وَقَدْ يَدْخُلُ بِلاَدَ الْحَجِّ بِصُورَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ، وَكُلٌّ يُؤَوِّلُ عَلَى مَا يَهْوَاهُ حَتَّى يَضِيقَ الْحَرَمُ وَالْمَشَاعِرُ بِهَؤُلاَءِ، وَيَؤَدِّيَ إِلَى التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي عَبَادَاتِهِمْ وَمَنَاسِكِهِمْ، وَهُؤلاَءِ حَجُّوا مَعَ الرَّفَثِ وَالفُسُوقِ؛ فَلاَ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ حَدِيثُ «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِحَجِّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ، وَاغْفِرْ لَنَا بِرَحْمَتِكَ جَمِيعَ الْخَطَايَا وَالآثَامِ، وَاهْدِنَا بِفَضْلِكَ سُبُلَ السَّلاَمِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةًَ لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاَةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبَّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام الكويت

إرسال تعليق

0 تعليقات