ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

خطبة جمعة بعنوان : وَقَفَاتٌ مَعَ الأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ | مكتوبة

وَقَفَاتٌ مَعَ الأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ - عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلاَ؛ امْتِثَالاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: )وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ( [النور:52].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:     
لَقَدِ اهْتَمَّ دِينُنَا الْحَكِيمُ بِالأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ اهْتِمَاماً كَبِيراً، وَذَكَّرَ بِحُقُوقِهَا تَذْكِيراً بَالِغاً، اهْتِمَاماً تَقْصُرُ عَنْهُ فُهُومُ الْبَشَرِ وَقَوَانِينُ الدُّوَلِ الْوَضْعِيَّةُ، وَتَذْكِيراً يُعَرِّفُ كُلَّ مُجْتَمَعٍ غَرْبِيٍّ قِيمَةَ الأُسْرَةِ فِي هَذَا الدِّينِ الْكَرِيمِ، فَقَلَّمَا تَجِدُ نِظَاماً يُعْنَى بِشُؤُونِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، مِثْلَ شَرِيعَةِ اللهِ تَعَالَى، خَلاَ ادِّعَاءَاتِ تَحْرِيرِ الْمَرْأَةِ وَحُقُوقِ الإِنْسَانِ، الَّتِي تَحْمِلُ فِي بُطُونِهَا مَا لَيْسَ عَلَى ظُهُورِهَا، وَقَدْ تَجَلَّتْ أَهَمِّيَّةُ تَأْسِيسِ الأُسْرَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ الآمِنَةِ مِنْ خِلاَلِ وَصَايَا النَّبِيِّ r الَّتِي وَضَعَتِ الأُطُرَ فِي خُطَى التَّكْوِينِ الأُسَرِيِّ مُنْذُ عَهْدِهِ الأَوَّلِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ].
وَالْمَرْأَةُ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ- أَهَـمُّ شَيْءٍ فِي بِنَاءِ الأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ، أُولَئِكَ يَدْعُـونَ لِتَحْرِيرِهَا وَكَأَنَّهَا مُسْتَعْبَدَةٌ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا يَدْعُونَ لِمَسْخِهَا مِنْ أُنُوثَتِهَا، وَسَلْخِهَا مِنْ عَفَافِهَا، كَأَنَّهَا لَمْ تَسْعَدْ فِي حَيَاتِهَا، يَبْغُونَهَا سَافِرَةً مَكْشُوفَةً، يَتَنَاوَلُهَا اللِّئَامُ وَالْمَرْضَى بِالنَّظَرِ وَالْكَلاَمِ عَلَيْهَا، أَمَّا الإِسْلاَمُ فَإِنَّهُ يَعْتَنِي بِهَا، وَيُؤَسِّسُهَا لِغَرَضِ الْبِنَاءِ الْمَتِينِ، وَلَيْسَ لِغَرَضِ تَمَلُّقِ الأَعْيُنِ، وَتَلَذُّذِ الأَبْصَارِ، فَهِيَ مَصْدَرُ التَّغْيِيرِ وَالتَّأْثِيرِ، وَهِيَ الْمَدْرَسَةُ الأُولَى لِلتَّرْبِيَةِ وَالتَّقْوِيمِ؛ لأَنَّهَا أَسَاسُ الْبَيْتِ، وَرُكْنُهُ الرَّكِينُ، لِهَذَا بَشَّرَهَا الرَّسُولُ r بِالْجَنَّةِ إِذَا اسْتَقَامَتْ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا؛ قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَلْنَتَذَكَّرْ -أَيُّهَا الْفُضَلاَءُ- أَنَّ تَأْسِيسَ الْمَفَاهِيمِ الرَّاقِيَةِ مِنَ الْعَلاَمَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى جَوْدَةِ الرَّأْيِ، وَحُسْنِ النَّظَرِ إِلَى عَوَاقِبِ الأُمُورِ لأَِنْفُسِنَا وَلِبَنَاتِنَا خُصُوصاً، حِينَمَا نُبَيِّنُ لِلإِنَاثِ عِنْدَنَا أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَرِعَايَةَ الأَبْنَاءِ وَالْقِيَامَ عَلَى شُؤُونِ الْبَيْتِ، وَحُسْنَ التَّرْبِيَةِ: رِسَالَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ، وَوَظِيفَةٌ إِسْلاَمِيَّةٌ عَظِيمَةٌ مَنُوطَةٌ بِهِنَّ، وَهِيَ مَعَ هَذَا لَيْسَتْ مِنْ سَقْطِ مَتَاعٍ، أَوْ إِمَّعَةَ اسْتِمْتَاعٍ، إِنَّمَا هِيَ شَرِيكٌ لِلرَّجُلِ، هِيَ تُكَمِّلُ لِلزَّوْجِ نِصْفَ دِينِهِ، وَالنِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ، وَالْمَرْأَةُ حِينَمَا تُنَشِّئُ أَبْنَاءَهَا عَلَى الإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، وَحَمْلِ رَسَالَةِ الدِّينِ، وَوَاجِبِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، وَحُبِّ الْوَطَنِ وَالْوَلاَءِ لَهُ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ، وَحُسْنِ الطَّاعَةِ لِوُلاَةِ الأَمْرِ، وَعَلَى الأَخْلاَقِ الْفَاضِلَةِ وَالْقِيَمِ السَّامِيَةِ، وَالتَّزَوُّدِ بِالْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ: فَقَدْ أَعَدَّتْ جِيلاً كَرِيماً مُوَفَّقاً لِحَمْلِ رِسَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى كَاهِلِهِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَامُ:
عَلَى الزَّوْجَيْنِ وَهُمَا يُؤَسِّسَانِ هَذَا الْبَيْتَ الأُسَرِيَّ، أَنْ يُدْرِكَا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، لَنْ يَجِدَ صَاحِبَهُ كَامِلاً، وَلاَ مُرَافِقاً لاَ عَيْبَ فِيهِ أَبَداً، فَالْكَمَالُ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لِهَذَا أَوْصَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، بِالتَّعَايُشِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا( [النساء:19].
وَوَاجِبٌ أَنْ يَنْظُرَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ إِلَى الإِيجَابِيَّاتِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لأَنَّ كَثِيراً مِنَ الأَزْوَاجِ يَخْتَصِمُونَ عَلَى مَحَاوِرِ السَّلْبِيَّاتِ: أَنْتِ فَعَلْتِ كَذَا، وَأَنْتَ الَّذِي فِيكَ كَذَا، قَالَ النَّبِيُّ r وَهُوَ يُوصِي الزَّوْجَيْنِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ: «لاَ يَفْرَكْ (أَيْ: لاَ يُبْغِضْ) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
 هَكَذَا يُرَسِّخُ الإِسْلاَمُ قِيَمَ الْبِنَاءِ الْمَتِينِ، وَالتَّشْيِيدِ الْمَكِينِ، بِحُسْنِ رِعَايَةٍ، وَإِنْصَافِ رَأْيٍ، وَكَرِيمِ اجْتِمَاعٍ فِيمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ مِمَّا يَقُودُ الأُسْرَةَ إِلَى السَّعَادَةِ وَالاِسْتِقْرَارِ، وَالنُّمُوِّ وَالاِزْدِهَارِ.
الأُسْرَةُ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- قَائِمَةٌ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، مَعَ تَفَاوُتِ نِسَبِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، يَتَعَاوَنَانِ فِي تَرْبِيَةِ الأَوْلاَدِ، وَإِدَارَةِ شُؤُونِ الْبَيْتِ، وَهَذِهِ فِطْرَةٌ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُتَزَاوِجَةِ، فَالزَّوْجُ يَتَعَاوَنُ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَيَقِفُ مَعَهَا فِي قِيَامِهَا بِوَاجِبِهَا، وَهَذَا لَيْسَ عَيْباً وَلاَ مَثْلَباً، كَمَا يَظُنُّهُ عَوَامُّ النَّاسِ، وَجَهَلَةُ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنَّ مَسْؤُولِيَّةَ الزَّوْجِ فِي وَاجِهَةِ الرِّجَالِ فَقَطْ تَكُونُ فِي الأَمْرِ وَالنَّهْيِ! لَكِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ تَتَمَثَّلُ بِتَعَاوُنِهِ مَعَهَا، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نُبْلِ نَفْسِ الزَّوْجِ، وَطِيبِ مَعْشَرِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ r كَثِيراً مَا يَنْشَغِلُ بِالْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ وَشُؤُونِهَا، وَاسْتِقْبَالِ الْوُفُودِ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ عِشَرَةً، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ لِنِسَائِهِ، وَلَمْ تَمْنَعْهُ كُلُّ هَذِهِ الأَعْبَاءِ أَنْ يُعَاوِنَ أَهْلَهُ؛ فَعَنِ الأَسْوَدِ ابْنِ يَزِيدَ t قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ r يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ » [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
وَيَنْبَغِي لِلْبُيُوتِ أَلاَّ يَسُودَ فِيهَا الاسْتِبْدَادُ بِالرَّأْيِ، وَالدِّكْتَاتُورِيَّةُ الأُسَرِيَّةُ، إِنَّمَا تُخْضِرُ وَتُورِقُ وَتُثْمِرُ بِالْحِوَارِ الأُسَرِيِّ، وَأَيْضاً بِمُنَاقَشَةِ مَا يُطْرَحُ مِنْ أَفْكَارٍ وَآرَاءٍ فِيهَا مَصْلَحَةٌ لِلأُسْرَةِ، وَمَنْفَعَةٌ لأَفْرَادِهَا، وَصِيَانَةٌ لِشُؤُونِ حَيَاتِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ r يَسْتَشِيرُ بَعْضَ نِسَائِهِ، كَمَا فَعَلَ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَدْ كَانَ يَأْنَسُ بِرَأْيِهَا وَيُعْجِبُهُ رُجْحَانُ عَقْلِهَا رَضِيَ اللهُ عنْهَا.
وَمِمَّا يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهُ -أَيُّهَا الْفُضَلاَءُ- أَنَّ الْبُيُوتَ لَنْ تَنْعَدِمَ مِنْهَا الْمُكَدِّرَاتُ، أَوْ تَذْهَبَ عَنْهَا الْمُنَغِّصَاتُ، لَكِنَّ الْمُوْفَّقَ مَنْ عَرَفَ كَيْفَ يَتَعَامَلُ مَعَهَا، وَاللَّبِيبُ مَنْ رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى فِطْنَةً رَائِعَةً لِلنَّظَرِ فِيمَا يَقَعُ فِي أُسْرَتِهِ، لَكِنَّ الْحَسْرَةَ تَتَوَجَّهُ مَعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُدَمِّرُونَ وَلاَ يُعَمِّرُونَ، وَيُفْسِدُونَ وَلاَ يُصْلِحُونَ، فَقَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَسَاتِذَةُ الرَّأْيِ، وَفَطَاحِلَةُ الْكَلِمَةِ، مِنَ الَّذِينَ يَتَدَخَّلُونَ فِي مَشَاكِلِ الأُسَرِ، وَخِلافَاتِ الْبُيُوتِ، دُونَ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَحُلَّ مَشَاكِلَ الآخَرِينَ، وَهُوَ مَعَ بَيْتِهِ وَاقِعٌ فِي حَمْأَةِ الْمَشَاكِلِ! لِهَذَا نَقُولُ: - حَفِظَكُمُ اللهُ وَرَعَاكُمْ- إِنَّ حِمَايَةَ الأُسْرَةِ مِنْ تَدَخُّلاَتِ الآخَرِينَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِسَلاَمَتِهَا، وَاسْتِمْرَارِهَا وَسَعَادَتِهَا، وَعَلَيْنَا أَيْضاً أَنْ نَتْرُكَ الْمُقَارَنَاتِ الْفَاسِدَةَ، الَّتِي لاَ تَجْلُبُ لَنَا إِلاَّ الْكَدَرَ وَالتَّنْغِيصَ، حَيْثُ نَسْمَعُ: أُولَئِكَ عِندَهُم كَذَا وَنَحْنُ مَا عِنْدَنَا! أُولَئِكَ اشْتَرَوْا كَذَا وَنَحْنُ مَا اشْتَرَيْناَ! فَعَلَى كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَلاَّ يَنْظُرَ إِلَى مَا فِي أَيْدِي غَيْرِهِ، وَلْيَقْنَعْ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ، لأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: )عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ( [البقرة:236]، كُلٌّ حَسَبَ طَاقَتِهِ وَإِمْكَانِيَّاتِهِ، وَمِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَجْلُبُ عَلَيْنَا الْكَدَرَ: عَدَمُ رِعَايَةِ أَسْرَارِ وَخُصُوصِيَّاتِ الْبَيْتِ! فَقَدْ أَمَرَ الإِسْلاَمُ أَنْ يَصُونَ أَفْرَادُ الأُسْرَةِ جَمِيعاً أَسْرَارَ الْبَيْتِ مِنْ أَنْ تَخْرُجَ خَارِجَ الْبَيْتِ، وَخَاصَّةً مَا يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ أُمُورٍ خَاصَّةٍ، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُ اللهِ r مِنْ إِفْشَاءِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَسْرَارَ الْعَلاَقَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُضْعِفُ كِيَانَ الأُسْرَةِ، وَيَهْتِكُ بُنْيَانَهَا، رَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا».
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَقُدْوَةً لِلْعَامِلِينَ، وَهُوَ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ رَبَّوْا أَجْيَالاً، وَصَنَعُوا رِجَالاً، وَبَنَوْا أُسَراً، وَشَيَّدُوا مَجْداً وَفَخْراً، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
هُنَاكَ أَمَرٌ غَايَةٌ فِي الأَهَمِّيَّةِ، هُوَ الْوَفَاءُ بَيْنَ أَفْرادِ الأُسْرَةِ عُمُوماً، وَهُوَ أَشَدُّ مَطْلُوبٍ سِيَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ، فَقَدْ أَمَرَ الدِّينُ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَفِيًّا لِلآخَرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، يَحْفَظُ لَهَا حَقَّهَا، وَتَحْفَظُ لَهُ حَقَّهُ، وَيَذْكُرُ لَهَا جَمِيلَهَا، وَيُقَدِّرُ لَهَا مَعْرُوفَهَا خَاصَّةً بَعْدَ مَا كَبِرَتْ سِنُّهَا وَاشْتَدَّ ضَعْفُهَا وَحَاجَتُهَا إِلَيْهِ، وَكَيْفَ لاَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ جَعَلَ اللهُ كُلاًّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ سَكَناً لِلآخَرِ طِيلَةَ حَيَاتِهِمَا؟!، وَأَنْتُمْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَهْلُ وَفَاءٍ، وَأَهْلُ شِيَمٍ وَخِصَالٍ كَرِيمَةٍ، نَبَعَتْ مِنْ عُرُوبَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ يُتَمِّمَ الإِسْلاَمُ هَذِهِ الْمَكَارِمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُِتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ].
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا أَزْوَاجَنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَآمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا، وَاخْتِمْ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ أَعْمَالَنَا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَارْفَعْ رَايَةَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالدِّينِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةًَ لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ،وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاَةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً بِالْعَدْلِ وَالإِيمَانِ، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام
بتاريخ 23 من شوال 1434هـ الموافق 30 / 8 / 2013م

إرسال تعليق

0 تعليقات