ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

خطبة جمعة مكتوبة : الْقُدْسُ مَهْدُ الأَنْبِيَاءِ وَمَهْوَى الأَوْلِيَاءِ

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكَ حَوْلَهُ, وَجَعَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِلأَنْبِيَاءِ مَنَاراً وَلِلأَوْلِيَاءِ مَهْوًى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ الآخِرَةِ وَالأُولَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الْوَرَى، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ نُجُومِ الدُّجَى، وَمَنْ تَبِعَهَمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْمُنْتَهَى.

أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ r، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
اتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-؛  فَإِنَّهَا  وَصِيَّةُ اللهِ تَعَالَى: ) وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ( [النساء:131].
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ:
لَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى أَرْضَ الأَحْرَارِ بِالْقُدْسِيَّةِ، فَقَالَ حَاكِياً عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: )يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ( [المائدة:21].
وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّ الصَّلاَةَ فِي الْمَسْجِدِ الأَقْصَى يُرْجَى لِصَاحِبِهَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ  فِيمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلاَثاً: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلاَّ يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ فِيهِ إِلاَّ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ r «أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ t قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ». قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَقْصَى». قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
فَارْتِبَاطُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَسْجِدِ الأَقْصَى ارْتِبَاطٌ مُقَدَّسٌ، فَهُوَ يُمَثِّلُ أَحَدَ مُقَدَّسَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَشْعَراً مِنْ مَشَاعِرِ الإِيمَانِ، يَفْدِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ. فَهُوَ أُولَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَأَحَدُ الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ الَّتِي تُشَدُّ إِلَيْهَا الرِّحَالُ، وَهُوَ ثَانِي مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ، وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ  rإِلَيْهِ، وَصَلََّى فِيهِ بِالأَنْبِيَاءِ إِمَاماً، وَلَقَدْ رَفَعَ اللهُ تَعَالَى مَنْزِلَتَهُ، وَأَعَلَى قَدْرَهُ حِينَ جَعَلَهُ الْقِبْلَةَ الأُولَى لِلْمُسْلِمِينَ، وَجَعَلَ مَسْرَى النَّبِيِّ  rإِلَيْهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَقَالَ: )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ( [الإسراء:1].
وَالْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ فِي الآيَةِ الْكَرِيمَةِ: الْبَرَكَةُ الْحِسِّيَّةُ وَالْمَعْنَوِيَّةُ، فَأَمَّا الْحِسِّيَّةُ فَهِيَ: مَا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى الْبِقَاعِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُ مِنَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ.
وَأَمَّا الْمَعْنَوِيَّةُ فَهِيَ: مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْبُقْعَةُ مِنْ جَوَانِبَ دِينِيَّةٍ، حَيْثُ كَانَتْ مَهْدَ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وَقَدْ دُفِنَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى كَثِيرٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَعَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَفِيهِ قُبَّةُ الصَّخْرَةِ الْمَعْرُوفَةُ، وَفِيهِ الْحَلَقَةُ الَّتِي رُبِطَ بِهَا الْبُرَاقُ، وَعُرُوجُ النَّبِيِّ  r مِنْهُ إِلَى السَّمَواتِ الْعُلَى دَلِيلٌ عَلَى مَدَى مَا لِهَذَا الْبَيْتِ مِنْ مَكَانَةٍ عَظِيمَةٍ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.
وَعِنْدَمَا انْطَلَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t تُجَاهَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. تَسَلَّمَ مَفَاتِيحَهُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَقَدْ كُنَّا أَذَلَّ النَّاسِ حَتَّى أَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلاَمِ، فَمَهْمَا ابْتَغَيْنَا الْعِزَّةَ فِي غَيْرِهِ أَذَلَّنَا اللهُ».
وَلَمَّا وَقَعَ الأَقْصَى أَسِيراً فِي يَدِ الصَّلِيبِييِّنَ هَبَّ صَلاَحُ الدِّينِ الأَيُّوبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَانْطَلَقَ بِجَيْشِ التَّوْحِيدِ وَالْجِهَادِ حَتَّى طَهَّرَ  الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ مِنْ رِجْسِهِمْ وَدَنَسِهِمْ فِي مَعْرَكَةِ حِطِّينَ، فَأَعَادَهُ إِلَى كَنَفِ الْمُسْلِمِينَ.
نَعَمْ، ظَلَّتِ الْقُدْسُ قُرُوناً عَدِيدَةً شَامِخَةً عَزِيزَةً، لَكِنَّهَا الْيَوْمَ خَفِيضَةُ الرَّأْسِ، تَبْكِي مَجْدَهَا وَعِزَّهَا وَشَرَفَهَا، وَتَسْأَلُ أَيْنَ الْمُسْلِمُونَ؟!.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ عَاماً وَأَرْضُ الأَقْصَى تَحْتَ سَيْطَرَةِ الْيَهُودِ إِخْوَانِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَعَبَدِ الطَّاغُوتِ، وَقَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ، وَنَقَضَةِ الْعُهُودِ، الَّذِينَ لاَ عَهْدَ لَهَمْ، وَلاَ ذِمَّةَ وَلاَ أَمَانَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا( [المائدة:82].
وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: )كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ( [المائدة:64].
إِنَّ قَضِيَّةَ فِلَسْطِينَ وَالأَقْصَى هِيَ أُولَى قَضَايَا الْمُسْلِمِينَ جَمِيعاً الَّتِي سَالَتْ لَهَا دِمَاؤُنَا، وَاسْتُرْخِصَتْ مُهَجُنَا، وَبُذِلَتْ أَمْوَالُنَا. وَهَا نَحْنُ الْيَوْمَ نُعَانِي مِنْ جُرْحٍ جَدِيدٍ فِي أَرْضِ الشَّامِ الْحَبِيبَةِ. وَمَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارِحَةِ! أَحْدَاثٌ دَامِيَةٌ، وَمَجَازِرُ مُتَكَرِّرَةٌ، وَمَذَابِحُ مُتَتَالِيَةٌ، وَجَرَائِمُ بَشِعَةٌ، وَهَمَجِيَّةٌ لاَ تَعْرِفُ لِلرَّحْمَةِ طَرِيقاً وَلاَ لِلإِنْسَانِيَّةِ مَعْنىً، سَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَيَتَّمُوا الأَطْفَالَ، وَرَمَّلُوا النِّسَاءَ، وَقَتَلُوا الرِّجَالَ وَالشَّبَابَ، وَاعْتَقَلُوا الْمُسَالِمِينَ، وَشَرَّدُوا الآمِنِينَ، وَهَدَمُوا الْمَسَاكِنَ، وَدَمَّرُوا الْمُمْتَلَكَاتِ، وَعَاثُوا فِي الأَرْضِ فَسَادًا، دُونَ أَنْ يَقُومَ الْمُسْلِمُونَ بِوَاجِبِهِمُ الَّذِي يُفْرِحُ الْقُلُوبَ وَيَشْفِي الصُّدُورَ تُجَاهَ  الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ يَسْتَغِيْثُونَ لَيْلَ نَهَارَ.
رُبَّ وَامُعْتَصِمَـاهُ انْطَلَقَـــتْ      مِلْءَ أَفْـــوَاهِ الصَّبَايَا الْيُتَّـــمِ
لاَمَسَتْ أَسْمَاعَهُـــــمْ  لَكِـنَّهَا      لَمْ تُلاَمِسْ  نَخْوَةَ  الْمُعْتَصِـمِ
أُمَّتِي كَــــمْ صَنَـمٍ  مَجَّدْتِـــهِ      لَمْ يَكُنْ يَحْمِلُ  طُهْرَ  الصَّنَمِ
لاَ يُلاَمُ  الذِّئْبُ  فِي عُدْوَانِـهِ      إِنْ يَكُ الرَّاعِي عَـــدُوَّ الْغَنَـمِ
إِنَّهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَفْخَرَ بِشَعْبِ أَرْضِ الأَقْصَى، وَالشَّامِ الْمُسْلِمِ  الصَّامِدِ الْمُجَاهِدِ الَّذِي ضَرَبَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي الْبُطُولاَتِ فِي وَجْهِ الْخُصُومِ وَالأَعْدَاءِ، وَأَعْطَى دَرْساً عَظِيماً لِلأُمَّةِ جَمْعَاءَ، لِتَعِيْشَ عَزِيزَةً كَرِيمَةً، أَوْ تَمُوتَ شَهِيدَةً أَبِيَّةً.
قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ )وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ( [الصافات:171-173].
فَوَاجِبُنَا أَنْ نَنْصُرَ إِخْوَانَنَا بِمَا تَجُودُ بِهِ النَّفْسُ مِنْ مَالٍ وَتَأْيِيدٍ وَعَزْمٍ وَدُعَاءٍ. فَمَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَهَذَا قَدَرُ اللهِ، وَقَدَرُ اللهِ غَالِبٌ، )وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( [يوسف:21].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَعَزَّنَا بِالإِسْلامِ، وَأَكْرَمَنَا بِالإِيمَانِ، وَهَدَانَا بِالْقُرْآنِ، وَجَعَلَهُ للنَّاسِ إِمَاماً وَهُدًى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، نِعْمَ النَّصِيرُ وَنِعْمَ الْمَوْلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَاقْتَفَى.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ.
 أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
اعْلَمُوا أَنَّ النَّصْرَ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ أَقْرَبُ لِلأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، لاَ إِلَى الْفِرَقِ وَالأَحْزَابِ وَالشِّيَعِ، النَّصْرُ يَتَنَّزَلُ إِلَى الأُمَّةِ الَّتِي حَقَّقَتْ إِيمَانَهَا بِعَوْدَتِهَا لِكِتَابِ رَبِّهَا، وَالْتِزَامِهَا هَدْيَ نَبِيِّهَا r، وَعَرَفَتْ حَقِيقَةَ تَارِيخِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: )إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ( [الأنعام:159].
نَحْنُ الْيَوْمَ بِحَاجَةٍ لأَِنْ نَكُونَ يَداً وَاحِدَةً، وَنَنْبِذَ كُلَّ جَاهِلِيَّةٍ وَعَصَبِيَّةٍ، عنْدَئِذٍ يُحَقِّقُ الْمُسْلِمُونَ النَّصْرَ بِإِذْنِ اللهِ، فَتَفَاءَلُوا عِبَادَ اللهِ: )وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ( [يوسف:87].
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ].
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ لِهَذَا الإِسْلاَمِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّ النَّصْرَ قَرِيبٌ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ الْيَوْمُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّهُ قَالَ: قَالَ الرَّسُولُ r: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ: هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ، يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ الطَّاعَةِ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ، وَيُهْدَى فِيهِ أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ،  اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام
الكويت 
بتاريخ 16 من شوال 1434هـ الموافق 23 / 8 / 2013م

إرسال تعليق

0 تعليقات